مولع بهذا الكتاب وقد قرأته مرات كثيرة، فجعلت أطالع فيه، فوقفت على هذا الخبر الذي رويته.
وبينما كنت أقرأ هذا الخبر سمعت حوارًا بين رجل كبير إنكليزي خشن الصوت وفتاة، يتخلل ذلك بُغام طفل صغير. وتكرر هذا الحوار بذاته لا تتبدل فيه كلمة من جملة ولا رنّة من لهجة، فعجبت، وخرجت فلم أجد أحدًا، فدخلت فسمعت الحوار نفسه، فخرجت فلم أجد أحدًا. ولحظ ذلك نادل الفندق، وهو هندي، فضحك ودلّني بإصبعه على قفص فيه طائر أسود (كالذي روى خبره السيوطي) يشبه الشُّحْرور المعروف في الشام وليس به، وإذا هو الذي يخرج هذه الأصوات.
فكان عجبي من هذه المصادفة بالغًا!
* * *
وفي سنة ٣٦٦هـ كان الفيضان العظيم في دجلة، فارتفعت مياهها ثلاثين ذراعًا وغمرت بغداد كلها، وهلك الناس والدواب وذهبت الأموال، وصلى الناس الجمعة مرتين في طيّار كبير (عوامة) على وجه الماء.
وفي سنة ٥٩٦هـ قلّ ماء النيل في مصر حتى قصر عن خمسة عشر ذراعًا، وكان قحط عظيم أكل معه الناس كل ما وجدوا من الحيوان، حتى صاروا يأكلون جثث الأموات، وكان الماشي لا يقع بصره إلا على ميت أو مَن هو في سياق الموت، وكان المسافر يمر بالقرية من القرى فيرى الأبواب مفتَّحة وأهل الدور موتى وما في القرية نافخ نار.
1 / 43