وإذا جاء مَن يزعج المحتل بكى وشكا وقال إنه يريد أن يكون آمنًا، وهذا يُذهب أمنه ويفسد عليه حياته!
* * *
ولو أنني حصرت ذهني لجمعت مما عرفت من أخبار اللصوص كتابًا صغيرًا، ولو أن أحد المؤلفين يضع كتابًا في طبقاتهم وأخبارهم لجاء منه أثر أدبي تاريخي. ولا تعجبوا، فإن أجدادنا ألّفوا في سِيَر العلماء والدعاة والمصلحين والعقلاء والمجانين واللصوص والمجرمين، ونحن نزعم أننا نعيش في عصر النور فلا نفعل عُشر ما فعلوا.
ولعل أدنى طبقاتهم وأيسرَها (لو أن في السرقة يسيرًا!) هو الذي يسرق عن حاجة، يسرق ليعيش. وشرٌّ منه الذي يسرق طمعًا واستكثارًا من المال بالحرام، والذي يسرق متستّرًا بجاهه أو منزلته أو ثقة الناس به، والمحتال والمزوّر، والذي يأكل مال الأرملة واليتيم وينسى أن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا. والذي يستهين بسرقة أموال الدولة، ابتداء من صحيفة الورق الصقيل يكتب في وسطها رقم هاتف أو عنوان صديق، ومن استعمال سيارة الدولة في خاصة شأنه وشأن أسرته، وانتهاء بالذي يسرق أموال المناقصات والتعهدات. وهذا كله من «الغُلول» الذي توعّد الله فاعلَه وقال عنه: ﴿وَمَنْ يَغْلُلْ يَأتِ بِما غَلَّ يَومَ القِيامَة﴾، فمن أين له يوم القيامة مثل ما غلّه وسرقه ليأتي به؟
والذي يسرق وقت العمل؛ يكلَّف بأن يجيء الساعة الثامنة فيجيء التاسعة، وأن يخرج في الثانية فيخرج في الواحدة،
1 / 15