أي بنية، كوني متأهبة للسفر، فإن صديقك آت إليك ليأخذك من الدير، فبالغي في الاختفاء والتنكر إذا خرجت واستعدي للرحيل. والسلام عليك.
ثم قالت: أتعرفين ما معنى هذه الرسالة؟ قالت: لا، ولكني أظن أن الملكة قد علمت بمكيدة ينصبها لي الكردينال. قالت: هو ذاك. ثم سمعت وقع حوافر فرس، فهبت بوناسيه إلى النافذة وهي تقول عساه هو؟ فقالت ميلادي - وهي لم تنتقل من سريرها: انظري جيدا لعله هو. قالت: لا، فإنه رجل لا أعرفه وقد وقف على باب الدير وهو يقرع. قالت: أمتأكدة أنت أنه ليس دارتانيان؟ قالت: نعم، فإني أراه بزي آخر. فقامت ميلادي وأخذت تلبس ثيابها، فقالت لها بوناسيه : لقد دخل. قالت: إما لأجلي أو لأجلك، فقالت لها بوناسيه: ما بالك تضطربين؟ قالت: نعم، فإني أخشى من الكردينال. فقالت لها: صه، فإنهم آتون إلينا. ثم فتح الباب ودخلت الرئيسة، فقالت لميلادي: هل أنت آتية من بولونيا؟ قالت: نعم، فمن يطلبني؟ قالت: رجل لا يريد أن يتسمى ويقول إنه آت من قبل الكردينال يريد أن يكلم الامرأة القادمة من بولونيا. قالت: إذن فأدخليه يا سيدتي. فقالت لها بوناسيه: إني أخشى عليك منه، فأنا أتركك وأذهب. ثم خرجت مع الراهبة، ولبثت ميلادي شاخصة إلى الباب حتى فتح ودخل منه رجل، فعرفته وصاحت عند مرآه صيحة الفرح، وكان هذا الرجل الكونت دي روشفور صفي الكردينال وساعده.
الفصل السادس والخمسون
اثنان من الأبالسة
فتلقته ميلادي بالترحاب وقالت له: من أين آت؟ قال: من روشل، وأنت؟ قالت: من إنكلترا. قال: ما جرى ببيكنهام؟ قالت: جريح أو قتيل، فإني أغريت به بعض الجند ولا أدري ماذا جرى. قال: بارك الله فيك، فهل أعلمت الكردينال؟ قالت: كتبت له من بولونيا، فما جاء بك إلى هنا؟ قال: أرسلني الكردينال لأبحث عنك، فمتى وصلت؟ قالت: أمس، ولم أضع الوقت سدى، أفلا تعرف من وجدت؟ قال: لا. قالت: وجدت الامرأة التي خلصتها الملكة من السجن. قالت: أليست بوناسيه حبيبة دارتانيان؟ قالت: هي بعينها، والكردينال يجهل مقرها. قال: إن السعادة تخدم الكردينال هنأه الله. قالت: ولو رأيت انذهالي عندما وجدت هذه الامرأة. قال: هل عرفتك؟ قالت: لا، بل هي تعتقد أني صديقتها الودودة. قال: لله درك، فلا أحد أقدر منك على فعل هذه العجائب يا كونتس. قالت: وقد عرفت منها أيضا أنهم آتون لأخذها غدا أو بعد غد بأمر من الملكة. قال: ومن يأخذها؟ قالت: دارتانيان وأصحابه. قال: حسنا يفعلون فإنهم يهيئون لنا فرصة نرسلهم فيها إلى سجن الباستيل. قالت: ولم لم يسجنوا بعد؟ قال: أرى الكردينال ضعيفا عنهم، ولا أدري لذلك سببا. قالت: قل له إذن إن محادثتي إياه في فندق برج الحمام قد سمعها هؤلاء الرجال الأربعة، وصعد إلي أحدهم بعد ذهابه فأخذ مني صك البراءة، وأنهم أخبروا اللورد ونتر بذهابي إلى إنكلترا ليحبطوا مسعاه كما فعلوا بالعقد، وقل له أيضا إنه يجب أن يخشى اثنين منهم هما أتوس ودارتانيان وإن الثالث عشيق دي شفريز فلا يقتله فإن حياته تفيدنا لاستطلاع أسراره، أما بورتوس فلا تمسوه فإنه يحسب عليكم رجلا ولا خير فيه. قال: أظن أنهم الآن في حصار روشل؟ قالت: لقد كنت أظن ذلك لولا أن رأيت الرسالة في يد بوناسيه تبشرها بقدومهم عن قريب. قال: كيف العمل؟ قالت: ما عندك لي؟ قال: أن آخذ ما لديك من الأخبار إما خطا أو شفاها، ثم أعود إلى الكردينال فيرسم لك ما تصنعين. قالت: وهل ألبث هنا؟ قال: كما شئت هنا أو في الضواحي. قالت: ألا أذهب معك؟ قال: ذلك لا يكون، فإنهم يعرفون أنك في المعسكر وهو ما يضر بالكردينال. قالت: إذن أنتظر إما هنا أو في ضواحي الدير. قال: عيني لي مكانا أجدك فيه إذا طلبتك. قالت: إني لا أقدر أن ألبث هنا خشية من أن يصل أعدائي أصحاب دارتانيان فيصيبني منهم مكروه. قال: إذن تفلت هذه المرأة من الكردينال. قالت: معاذ الله أن تفلت أم نسيت أني صاحبتها المخلصة؟ فقل للكردينال إني أنا لها. قال: والآن: ما أصنع؟ قالت: تذهب مسرعا إلى الكردينال فإن الأمر خطير. قال: لقد كسرت عربتي عند دخولي إلى ليليه. قالت: ذلك خير لأني في حاجة إليها، فاذهب راكبا ولو كانت الشقة بعيدة، ثم إذا وصلت إلى ليليه ترسل لي العربة وتوصي خادمها بالامتثال لي، ثم تأمر راهبة الدير بالتسريح لي بالذهاب متى شئت مع كل من يأتيني باسمك، ولا تنس أن تكلم الرئيسة بغيظ إذا ذكرتني لأني أوهمتها أني عدوة الكردينال وأني بغيته. قال: وأين أجدك بعد ذلك؟ قالت وقد فكرت طويلا: إني أعرف هذه البلاد حق المعرفة لأني ربيت بها، فإنك تجدني في أرمانتيير. قال: وما أرمانتيير؟ قالت: قرية صغيرة على ضفة نهر ليس، فإذا قطعته صرت في بلاد غير فرنسا. قال: نعم، ولكن لا تقطعيه إلا عند الخطر الشديد. قالت: نعم. قال: وأين أعرف مقرك؟ قالت: أفي حاجة أنت إلى خادمك؟ قال: لا. قالت: وهل أنت واثق منه؟ قال: نعم. قالت: آخذه معي إلى حيث أسكن، ثم يذهب إليك ليدلك على مقري. قال: نعم، فاكتبي لي اسم القرية لئلا أنساه. فكتبته. فودعها وخرج وقد وضع الورقة تحت قبعته.
الفصل السابع والخمسون
نقطة الماء
وما كاد روشفور يبعد عن غرفة ميلادي حتى دخلتها بوناسيه فوجدت ميلادي ضاحكة السن، فقالت لها: هل دنا ما كنت تخشين منه من قبض الكردينال عليك؟ قالت: من قال لك ذلك؟ قالت: سمعته من فم الرسول. قالت: تعالي فاجلسي حذائي وأنصتي لئلا يسمعنا الرجل. فجلست وقالت: لم هذا التحذر؟ قالت: سترين. ثم نهضت إلى الباب ففتحته ونظرت في الرواق فلم تجد أحدا، فأقفلته وعادت وهي تقول: لقد أتم الحيلة. قالت: من؟ قالت: من ادعى أنه رسول من قبل الكردينال؟ قالت: ومن هو هذا الرجل إذن؟ قالت: أخي، وهو سري سلمته لك فلا تعبثي به، وإليك القصة، فإن أخي هذا سمع بي أني هنا فأقبل قاصدا خلاصي، فصادف رسول الكردينال آتيا فتبعه حتى خلت الطريق فتعرض له وطلب أوراق الكردينال منه، فأباها عليه فقتله وأخذها؛ إذ لم يجد لأخذها واسطة أخرى، فأخذ الأوراق وجاء باسم الكردينال، وستأتي بعد ساعة أو ساعتين عربة تأخذني باسم الكردينال وهي عربة أخي، ثم اعلمي أن الكتاب الذي بيدك المنبئ لك بوصول من يخلصك ليس هو من دي شفريز بل هو مزور حيلة عليك، فإن دارتانيان ينازل روشل الآن ولا سبيل إليه نحوك. قالت: وأنى لك هذا؟ قالت: علمته من أخي حيث قال إنهم سيأتونك من قبل الكردينال بأثواب حرس الملك لتنخدعي لهم فيذهبوا بك إلى باريز، فقالت: وا كرباه، أكاد أجن من هذه الأمور. قالت: أنصتي. قالت: ما ذاك؟ قالت: إني أسمع وقع حوافر فرس وهو أخي ذاهبا، فتعالي أودعه الوداع الأخير، ثم صعدت إلى النافذة ومعها بوناسيه حتى مر بهم الفارس، فقالت له ميلادي: على الطائر الميمون يا أخي. فالتفت إليها وأشار بيده يودعها وغاب. فعادت من الشباك فأقبلت إليها بوناسيه وهي تقول: أشيري علي بالله ماذا أصنع. قالت: ليس لك إلا واسطة واحدة، وهي أن تخرجي فتقيمي في بعض نواحي هذا الدير. قالت: وإلى أين أذهب؟ قالت: تذهبين معي، فإني سأذهب أنتظر وصول أخي في بعض هذه القرى. قالت: إنهم لا يسمحون لي بالخروج، فأنا هنا كالأسيرة. قالت: نعم، ولكنك تظهرين أنك تريدين أن تودعيني فتقعدين معي في العربة، فيسوق السائق الخيل فتجري بنا ونخلص. قالت: وإذا جاء دارتانيان. قالت: نعرف من غير بد. قالت: وكيف ذلك؟ قالت: نرسل إلى الدير خادم أخي الذي نتكل عليه في أمرنا هذا فيتجسس الأمر، فإن وجد القادمين من حرس الكردينال لبث متخفيا لا يظهر، وإذا كانوا دارتانيان وأصحابه أتى بهم إلينا. قالت: وهل يعرفهم؟ قالت: نعم، فإنه طالما رأى دارتانيان عندي. قالت: أحسنت، ولكن لا يجب أن نبعد من هنا. قالت: نلبث على الحدود، حتى إذا داهمنا خطر نفر من فرنسا. قالت: وما أصنع الآن وأنت تنتظرين؟ قالت: لعلك تذهبين ولا أشعر بك. قالت: اطلبي من الرئيسة أن تسمح لك بالإقامة معي، وما أراها تمنعك. قالت: أصبت. قالت: فانزلي حالا إليها واستأذنيها، وأنا أنزل إلى الجنينة أتنزه فيها فإني أرى نفسي في دوار. قالت: وأين أجدك؟ قالت: هنا بعد مضي ساعة. قالت: نعم. وذهبت تلك إلى الجنينة وبوناسيه إلى الرئيسة. وكانت ميلادي قد أصابها الدوار كما قالت من عظم الحيلة التي دبرتها وفظاعة العمل التي نوت عليه، وكان جل قصدها في ذلك أن تذهب ببوناسيه إلى مكان لا يدري به أحد، وأخذت تفكر في ذلك لعلمها أن بوناسيه حياة دارتانيان، فإذا أخذتها من بين يديه هان عليها الانتقام منه. وفيما هي تمشي في الجنينة وهذه الأفكار تساورها سمعت صوتا خفيفا يناديها، فالتفتت وإذا بها ترى دي بوناسيه مستبشرة بما أذنت لها به الرئيسة، ثم عادت وإياها، فلما بلغت فناء الدار سمعت صوت عربة، فقالت: هذه عربة أخي، فاذهبي وأحضري ما يهمك إحضاره من حلي ودراهم. قالت: ليس عندي سوى تلك الرسائل. قالت: فاذهبي وأحضريها، ثم لاقيني إلى هنا فنأكل معا. فقالت: وا كرباه، أرى نفسي ضعيفة لا أقدر على المشي. قالت: تشددي ولا تخشي فإنك تطلقين بعد قليل. فذهبت وصعدت ميلادي إلى غرفتها فوجدت فيها خادم روشفور، فأعطته التعليمات اللازمة، ومن جملتها أن ينتظرها لدى الباب، فإذا رأى حراس الملك قادمين ينطلق بالعربة إلى جهة الدير الأخرى فينتظرها عند قرية صغيرة فتخرج إليه من باب الحديقة. وفيما هي توصيه دخلت بوناسيه فقالت له ميلادي: ثم تصعد إلى عربتي هذه الامرأة، وحالما تصير معي تسوق الخيل بسرعة البرق. قال: نعم. وخرج. فأقامت ميلادي هي وبوناسيه وأكلتا. وفيما هما تأكلان إذا بميلادي تسمع وقع حوافر خيل وصهيل، فوثبت إلى النافذة فلم تر أحدا لأن الصوت كان بعيدا، فقالت لها بوناسيه: ما هذا الذي أسمع؟ قالت: إما أعداؤنا أو أصدقاؤنا، فالبثي مكانك حتى أقول لك. ولم يمض قليل حتى ظهرت الفرسان، فرأتهم ميلادي ثمانية وفي مقدمتهم فارس عرفت أنه دارتانيان، فصاحت صيحة اليأس، فقالت لها بوناسيه: ما هذا؟ قالت: قدم حرس الكردينال، فلا خلاص لنا إلا بالفرار. قالت: نعم، فهيا بنا. فهبت من مكانها وهي واهية القوى من الخوف والرهبة، ثم سمعت صوت الفوارس تمر تحت النافذة، فزاد رعبها، فأخذتها ميلادي بيدها وقالت: هلمي فإن لنا طريقا من الحديقة ومعي مفتاحها، فسارت معها خطوتين ثم سقطت لا تستطيع النهوض، وإذا بميلادي تسمع صوت العربة هاربة من وجه الحراس، ثم تلاها صوت البنادق، فقالت ميلادي: أتذهبين أم لا؟ قالت: لا أقدر أن أذهب، فاهربي وحدك. قالت: أهرب وحدي وأتركك، إن ذلك لا يكون. ثم وقفت برهة تفكر وذهبت إلى المائدة فأخذت كأس بوناسيه ففتت فيه فص خاتم كان معها ثم ملأته نبيذا وقالت لها: اشربي، فإن هذا يشدد العزم ثم أدنت الكأس من فم بوناسيه فشربتها، فقالت ميلادي: والله لم أكن أريد أن أنتقم هذا الانتقام لولا مداركة الفرص. ثم وضعت الكأس على المائدة وخرجت راكضة وبوناسيه تنظر إليها نظرة غرقى إلى ساحل، وأخذ العرق يسيل منها وقواها تضعف، ثم سمعت صوت الأبواب تفتح وسمعت اسمها يلفظ، ثم فتح الباب وظهر دارتانيان، فصاحت به صيحة الفرح وأكبت عليه تقبله ويقبلها، ثم تبعه أصحابه وسيوفهم في أيديهم، فقالت لدارتانيان: لقد أتيت يا حبيبي ولم تخدعني، فقد غلطت إذ قالت لي إنك خدعتني وإنك لا تأتي. فقال دارتانيان: ومن هي؟ قالت: رفيقتي التي أرادت أن تأخذني معها، وقد هربت الآن منكم ظانة أنكم حرس الكردينال. فاصفر وجه دارتانيان وقال: أي رفيقة تعنين؟ قالت: التي كانت عربتها على الباب والتي زعمت أنك تحبها، فقال: وما اسمها؟ أخبريني، أما أتعرفين؟ قالت - وصوتها يتقطع من النزاع: لقد قالوه أمامي ونسيته، وا كرباه، ما هذا الدوار. فصاح دارتانيان: إلي يا رفاقي، فإني أشعر بيديها قد بردتا وقد أغمي عليها. فتقدم بورتوس يساعده ووثب أراميس إلى المائدة ليأتي بكأس من الماء، فدهش عندما رأى أتوس واقعا لدى المائدة كالصنم لا حراك به، وعيناه تقدحان شرارا. فصاح دارتانيان: علي بالماء. فقال أتوس: مسكينة أنت يا بوناسيه. ففتحت المرأة عينيها، فقال دارتانيان: وا بشراي قد فتحت عينيها وأفاقت والحمد لله. فقال لها أتوس: لمن هذا الكأس؟ قالت: لي. قال: ومن سكب لك هذا النبيذ؟ قالت: هي. قال: ومن هي؟ قالت: ذكرت اسمها الآن هي الكونتس دي ونتر. فأجفل الأربعة وصاحوا صيحة الجزع، وكانت صيحة أتوس تفوق الجميع، وسقطت بوناسيه بين يدي أراميس وبورتوس لا تسمع ولا تعي، فقام دارتانيان إلى أتوس وقال: أتظن أنها ...؟ قال: نعم. وهو يعض على شفتيه حتى كاد يدميهما. فتحول دارتانيان إلى بوناسيه فوجدها قد اصفر وجهها وغارت عيناها وكان جسمها يرتجف وهي تتصبب عرقا، فقال: ادعوا لنا طبيبا، فقال أتوس: لا فائدة من الطبيب فإن السم زعاف لا دواء له. فقالت وهي تجود بنفسها: نعم، لا دواء له. ثم جمعت قواها وضمت رأس دارتانيان بين يديها وقبلته وطارت نفسها، فوجد دارتانيان بين يديه جثة باردة، فسقط مغشيا عليه، وأقام أصحابه يندبون، وإذا بالباب قد انفتح وظهر على عتبته رجل، وجعل ينظر إلى بوناسيه ودارتانيان، ثم قال: لم أخطئ، فهذا دارتانيان وأنتم أصحابه الثلاثة أتوس وبورتوس وأراميس. فنظر إليه الثلاثة وهم مرتابون في معرفته، فقال لهم: أظنكم مثلي تفتشون على امرأة مرت من هنا لأني أرى لها أثرا في هذه الجثة. فلبثوا صامتين ينظرون إليهم وهم يذكرون أنهم رأوه، فعقب قائلا: إذا كنتم مترددين في معرفتي بعد إذ خلصتموني مرتين من الموت فأنا أعرفكم بنفسي، أنا اللورد ونتر سلف هذه الامرأة. فقام إليه أتوس وصافحه وقال: أهلا وسهلا بك، فأنت منا. قال: قد تتبعتها من بورتسموث بعد سفرها بخمس ساعات فوصلت بعدها إلى بولونيا بثلاث ساعات، وتبعتها من قرية إلى قرية أستخبر الناس عنها حتى رأيتكم تسيرون أمامي، فعرفت دارتانيان فناديتكم فلم تجيبوا إذ لم تسمعوني لبعدي عنكم لوقع حوافر خيلكم، فشددت في لحاقكم فلم يغن جوادي لكلاله حتى اجتمعت بكم الآن، فهل الاثنان قتيلان؟ قال أتوس: لا والحمد لله، فإن دارتانيان مغمى عليه. ففتح دارتانيان عينيه ورمى بنفسه على جثة حبيبته يقبلها ويتشممها، ثم انثنى عنها إلى أتوس فقبله وقال: كتب القتل والقتال علينا، وعلى الغانيات ندب القتيل، دع النساء يبكين النساء فللرجال الأخذ بالثأر. قال: صدقت والله لأنتقمن من قاتلها ولو تعلق بأهداب السحاب. فأشار أتوس إلى أراميس وبورتوس أن يدعوا الرئيسة، فذهبا فوجداها في فناء الدير، فأتيا بها، فقال لها أتوس: ها نحن نترك بين يديك جسم هذه الامرأة الطاهرة فادفنيها فإنها ملك كريم في صورة إنسان، وسنرجع بعد فنصلي على قبرها. ثم أخذ دارتانيان بيده وهو يبكي أشد بكاء، وخرج الخمسة من الدير إلى مدينة بيتين فوقفوا على أول فندق فيها، فقال دارتانيان: ألا نتبعها فنأخذ ثأرنا منها؟ قال أتوس: ذلك علي. قال: أخشى أن تفوتنا فيكون اللوم عليك. قال: أنا لها فلا تخش فرارها. فجعل أراميس وبورتوس يتناظران ويعجبان من ثقة أتوس بإمساكها، وظن اللورد ونتر أنه يتكلم كذلك ليهدئ روع دارتانيان، فقال أتوس: تفرقوا يا قوم كل إلى غرفته في هذا الفندق، فنحن في حاجة إلى الاختلاء، وعلي تدبير الأمر. فقال اللورد ونتر: لا، بل ذلك علي، فأنا أقرب إليها لأني سلفها. قال: لا، بل أنا، فإنها امرأتي. فتبسم دارتانيان لذلك وعلم أن أتوس لا يتركها لأنه باح بسره فيها، فقال أتوس: اذهبوا إلى غرفكم وأعطني يا دارتانيان الورقة التي سقطت من الفارس، فهذا وقتها. قال: نعم، فإنها بخطها. فأخذها وتفرقوا.
الفصل الثامن والخمسون
الرجل ذو العباءة الحمراء
ناپیژندل شوی مخ