كانت الساعة تقترب من منتصف الليل، عندما خرج الفريق ومعهم ميلادي في آخر رحلة لها في هذه الدنيا. وكانت العاصفة قد هدأت، وكأن الطبيعة نفسها قد اقتنعت أخيرا بوجوب القصاص وتنفيذ حكم العدالة. وكان القمر الشاحب في أعقاب آثار العاصفة قد بدا أحمر بلون الدم، ويظهر منخفضا في السماء. وأمام خلفية من الضوء الباهت، بدت حدود البيوت في أرمانتيير بحيث لا تكاد ترى، ولا يمكن تمييزها.
على مسافة قصيرة أمام هذا الفريق الصامت، كانت المياه الصامتة لنهر ليس، تتدفق في بطء، كأنه نهر من الرصاص. وعلى الشاطئ البعيد، كانت تلوح حدود كتلة من الأشجار تحت السماء التي لا تزال مزدحمة بالسحب المتقطعة، فتنعكس عليها أشعة القمر، وتخلق نوعا من الشفق المخيف.
وفي حقل على يسار الطريق، تقوم طاحونة هواء مهجورة، ذات شراع واحد شاحب اللون، معطل، ويشير إلى أعلى، يشبه من كافة الوجوه إصبع اتهام ضخمة. ومن بين تلك الأنقاض، تصدر بومة وحيدة نعيبها المحزن على وتيرة واحدة.
وعن يمين الطريق ويساره، الذي سارت فيه الجماعة المكتئبة، بدت الشجيرات والأشجار المبتورة كأقزام ممسوخة، تراقب بعيون متسائلة، أولئك الذين تجاسروا على الخروج ليلا في مثل هذه الساعة المشئومة المتأخرة.
وفي فترات، كان البرق يضيء الأفق بكامله. وكان يتحرك ذهابا وإيابا فوق كتلة سوداء من الأشجار، كسيف مشرع يفصل السماء عن كل اتصال بالأرض. ولم تهب نسمة واحدة من الهواء فتعكر صفو الجو البارد المطير. وكانت الأرض مشبعة بالمياه، وتتألق بها قطرات المطر التي سقطت حديثا. وأطلقت الشجيرات المنتعشة والحشائش عبيرها بقوة.
توقف الجمع عند وصوله إلى النهر. وكبل الرجل الفارع المقنع يدي ميلادي في صمت، ووضعها في المعدية وعبر بها إلى الضفة المقابلة من النهر.
وبدا هذا الرجل هناك متشحا بالسواد، أمام هالة من نور القمر، حيث أبصر الجمع سيف الرجل المقنع ذا المقبضين، يرتفع ثم يهوي مرة واحدة. كان هذا هو الجلاد العام، وكان هو الذي - قبل ذلك بإحدى عشرة سنة - وسم كتف ميلادي بسمة زهرة الزنبق - رمز العار - في الميدان العام لمدينة ليل.
الفصل السابع والعشرون
فخامته يتعرف على خط يده ويصدر قرارا حكيما
كان من المعتاد، في ذلك الوقت، عندما لا يكون أصدقاؤنا الأربعة في صحبة الملك، أن يقضوا وقتهم في فندقهم المفضل. وهناك، لا يلعبون الورق، ولا يحتسون الخمور، وإنما يتحدثون في هدوء، محاذرين ألا يسمعهم أحد.
ناپیژندل شوی مخ