هبت ميلادي واقفة فجأة، وعيناها تقدحان بشرر الغضب، غير أن آثوس ظل جالسا لا يتحرك.
استأنف آثوس كلامه: «ظننتني مت، كما ظننتك أنا كذلك. لقد أخفى اسم آثوس الكونت دي لا فير، مثلما أخفى اسم ليدي وينتر اسم آن دي بريي. ألم يكن كذلك قبل أن نتزوج؟»
قالت ميلادي بصوت واهن مضطرب: «ماذا جاء بك إلي؟ ماذا تريد مني؟» «أريدك أن تعلمي أنه رغم غيابك عن ناظري، فإن حياتك كانت ظاهرة لي ككتاب مفتوح أمامي.» «ماذا تعرف عني؟» «بوسعي أن أخبرك بكل شيء اقترفته، يوما بيوم، منذ دخولك في خدمة الكاردينال، حتى هذا المساء.»
ابتسمت ميلادي ابتسامة شاحبة، وهي تستعيد بعض الثقة؛ إذ خالته يبالغ في قوله.
أضاف آثوس بحدة: «اسمعي! ليس لدي وقت لأسرد عليك قائمة بكل جرائمك، أو أصف لك حياتك الشريرة. ورغم ذلك، اكتشف دارتانيان سرك المخزي. هل تنكرين أنك استأجرت رجلين ليتتبعاه، وعندما أخطأته قذائفهما، مرتين، أرسلت له نبيذا مسموما، مع خطاب زائف؟ ثم .. ومنذ بضع دقائق فقط، في هذه الحجرة، ارتبطت بعهد مع الكاردينال على أن تقتلي دوق بكنجهام، ونظير هذه الخدمة، سيسمح لك الكاردينال بقتل دارتانيان. وكان من ضمن الكلمات التي استعملتها: «حياة بحياة، ورجل برجل. أليس كذلك؟»»
صاحت ميلادي، التي غدا وجهها شاحبا شحوب الموت: «لا بد أنك الشيطان نفسه!»
قال آثوس: «ربما، ولكن أصغي تماما وبإمعان إلى ما سأقول. يمكنك أن تفعلي ما تشائين فيما يختص بدوق بكنجهام؛ تغتالينه أو تعملين على اغتياله، هذان سيان بالنسبة لي، ولكنك إن لمست بطرف إصبعك شعرة واحدة من رأس دارتانيان، فإني أقسم برأس أبي على أن هذه الجريمة ستكون آخر عهدك بالحياة!»
بقي آثوس صامتا لبضع لحظات، وقد ثبت عينيه على ميلادي، وصار وجهه صلبا ينم عن عزم ومضاء. ونهض بطيئا من مقعده وأخرج مسدسه من جرابه. وشحب وجه ميلادي شحوب الموتى، وبدت كأنها تحولت إلى تمثال حجري. وحاولت أن تصرخ، ولكن تجمدت الأصوات في حلقها.
رفع آثوس المسدس ببطء، ومد ذراعه، وصوبه نحوها، وهو يتحدث بصوت مرعب، تدل لهجته على الحسم وقوة العزيمة، قائلا: «أعطيني، في الحال، تلك الورقة التي وقعها الكاردينال معك، وإلا نسفت رأسك!»
كان من الممكن أن ترتاب ميلادي في أي رجل آخر، أما بالنسبة لآثوس، فلا. كانت تعرف أنه رجل الكلمة، وقرأت في وجهه الدال على الإصرار وقوة العزيمة، أنه يوشك على أن يطلق النار، فأخرجت الورقة من جيبها سريعا، وقدمتها إليه.
ناپیژندل شوی مخ