وسيادة البحر حياطة للدولة، ومن كلام شيشرون عن استعداد پومبي لقيصر: «إن سياسة پومبي هي - على ما هو جلي ظاهر - سياسة ثمستوكليس؛ لأنه يرى أن الرجل الذي يملك البحر يملك الموقف ...» ولقد كان پومبي خليقا أن يضني قيصر، لولا أنه لفرط الغرور والثقة قد عدل عن هذه الخطة.
وإننا لنبصر أمامنا عظم النتائج التي تعقب الحروب البحرية، فقد كان لوقعة أكتيوم القول الفصل في سيادة العالم، وقد صدت وقعة لبانتو سطوة الترك. والأمثلة كثيرة على المعارك البحرية التي كان لها الحسم في الحروب كلما انصرفت إليها همة الملوك والأمراء. ومهما يكن من قول فالأمر الذي لا نزاع فيه أن المسيطر على البحر يملك حريته، ويستطيع أن يأخذ من الحرب أو يدع منها كثيرا أو قليلا على حسب مشيئته، خلافا للأقوياء في البر وحده، فإنهم مستهدفون للحرج في كثير من الأحايين.
وفي عصرنا هذا - بين أهل أوروبا - يبدو جليا أن مزية السيادة البحرية (وهي مهر هذه المملكة الإنجليزية) جد عظيم؛ لأن ممالك أوروبا أولا معظمها بري وله شواطئ بحرية تحيط بجزء كبير من حدوده؛ ولأن ثروة الهندين (هند آسيا وأمريكا) هي ثانيا في متناول سيد البحار إلى حد كبير.
ويلوح على الحروب الحديثة أنها ألقيت في الظل إلى جانب الأنوار، التي كانت تسطع على رجال الحروب القديمة، فعندنا اليوم لتشجيع الروح العسكري بعض رتب الفروسية وأنواطها توهب مع هذا للجنود وغير الجنود، وبعض الرموز والشارات على التروس والدروع، ومستشفيات للجرحى والمشوهين وغير ذلك من هذا القبيل. أما في الزمن القديم فقد كانت عندهم الأبراج والأقواس، التي تشاد على مكان المعركة، وكانت عندهم مراثي الفخار، وأضرحة الذكرى لمن قضي عليهم في القتال، وكانت عندهم التيجان والأكاليل، ولقب الإمبراطور الذي استعاره بعدهم ملوك العالم، ومواكب النصر للقواد العائدين من الحروب، والهبات السخية للجنود عند تسريحها وغير ذلك من المكافآت التي تلهب الحماسة في جميع الصدور.
ولم تكن هذه المراسم مظهرا كاذبا أو فخفخة باطلة، بل كانت نظاما من أحكم الأنظمة التي عرفت؛ لأنها جمعت بين ثلاثة أمور: تشريف القادة، وثروة الخزانة، وهبات الجنود.
إلا أن هذا التشريف على ما يظهر لم يكن موافقا للملوك ما لم يكن التشريف للملك نفسه وأبنائه، كما حدث في أيام الرومان، إذ كان الملوك يجتنون لأنفسهم ولأبنائهم معالم النصر الحقيقية في الحروب التي حضروها، ويتركون للحروب التي انتصر فيها القواد علامات تشريف لا تزيد على الحلل والشارات.
ونختتم الكلام بأن نذكر ما جاء في الكتاب، إذ يقول: إن الإنسان لا يستطيع أن يزيد بجهد من المجهود قيراطا على قامته، فنقول: إن هذا الذي لا يستطاع في بنية الإنسان يستطيعه الملوك في سمعة الممالك ومجدها، فيضيفون إليها السعة والعظمة ويخلفون لأعقابهم - باتخاذ تلك النظم والعادات التي ألمعنا إليها - مجدا باقيا وعزة موروثة، ولكنها أمور لا تلاحظ على العموم وتترك للمصادفات.
مقتبسات من مقالات
الإنفاق
من عهد في نفسه السرف في باب من الأبواب فهو محتاج إلى القصد في باب آخر. فإن كان مسرفا في المائدة فليكن مقتصدا في الكساء، وإن كان مسرفا في الردهة فليكن مقتصدا في الإسطبل. وقس على ذلك؛ لأنه إذا أسرف في جميع الأبواب فقلما يسلم من البوار.
ناپیژندل شوی مخ