ولست أدري ما بال رجال الحرب يحبون أن يحبوا، إلا من قبيل حبهم الخمر والتماس الجزاء على الخطر بالمسرات.
بيد أن الإنسان مطبوع في خفايا قلبه على طلب العلاقة بغيره، وهو ميل إن لم ينصرف إلى فرد أو بضعة أفراد انصرف عفوا نحو الكثيرين، فألهم النفس خصال المودة والعطف، وصنع الخيرات والحسنات، كما يشاهد في النساك وإخوان الدين.
إن الحب الزوجي يوجد بني آدم، وحب الصداقة يكملهم ويهذبهم، أما حب اللهو فهو مفسدة لهم وإسفاف.
الحظ
مما لا نكران له أن الحوادث، التي تقع في هذه الدنيا ترجع كثيرا إلى الحظ والمصادفة، كالحظوة والفرصة وموت الآخرين، وتوافق الأحوال وصلاح المناسبات للملكات والكفاءات.
إلا أن المعول عليه أن الإنسان يسبك قالب حظه بيديه، أو كما قال الشاعر: «في يد كل إنسان أن يؤسس حظه ويقيم بناءه.»
ومن أشهر الأسباب العارضة في خلق الحظوظ أن يستفيد رجل من زلات الآخرين، فلم يحدث قط أن أحدا علا به الحظ فجأة، كما يعلو به من جراء زلة يجترحها غيره. وقد جاء في الأمثال أن الحية لا تصبح تنينا حتى تبتلع حية أخرى!
وهنالك مناقب ظاهرة تجلب لصاحبها المدح والثناء، ولكن الصفات التي تجلب لصاحبها الحظ أخفى من ذاك، وقد اجتمع بعضها في الكلمة الأسبانية التي يعنون بها «الكياسة»، ولطف التناول والمعاملة.
وقلما وجدت حالة من حالات الإنسان إلا وهو قادر على أن ينوط فيها دولاب فكره بدولاب الحظ حيث دار. وقد قال ليفي بعد أن وصف كاتو الكبير: «إن الرجل العظيم خليق حيثما ولد في بيئات الحياة أن ينشئ له سمعة وذكرا.»
فلينظر من شاء نظرة العناية والإنعام، وهو ولا ريب قادر على أن يرى ربة الحظ في مدارها.
ناپیژندل شوی مخ