1 - كابتن روبرت والتون يلتقي فيكتور فرانكنشتاين
2 - حكاية فيكتور فرانكنشتاين كما يرويها هو
3 - مأساة تحل بالأسرة
4 - فرانكنشتاين يلتحق بالجامعة
5 - التجارب
6 - نجاح وفشل
7 - عالم بعيد عن العلوم
8 - فرانكنشتاين يعود إلى وطنه
9 - محاكمة جاستين المسكينة
10 - رحلة طويلة على الأقدام
ناپیژندل شوی مخ
11 - قصة المسخ
12 - طلب المسخ
13 - رحلة إلى إنجلترا
14 - ثم إلى اسكتلندا
15 - نهاية تجاربي
16 - الاتهام
17 - العودة إلى جنيف
18 - انتقام المسخ
19 - أيام فيكتور فرانكنشتاين الأخيرة
1 - كابتن روبرت والتون يلتقي فيكتور فرانكنشتاين
ناپیژندل شوی مخ
2 - حكاية فيكتور فرانكنشتاين كما يرويها هو
3 - مأساة تحل بالأسرة
4 - فرانكنشتاين يلتحق بالجامعة
5 - التجارب
6 - نجاح وفشل
7 - عالم بعيد عن العلوم
8 - فرانكنشتاين يعود إلى وطنه
9 - محاكمة جاستين المسكينة
10 - رحلة طويلة على الأقدام
11 - قصة المسخ
ناپیژندل شوی مخ
12 - طلب المسخ
13 - رحلة إلى إنجلترا
14 - ثم إلى اسكتلندا
15 - نهاية تجاربي
16 - الاتهام
17 - العودة إلى جنيف
18 - انتقام المسخ
19 - أيام فيكتور فرانكنشتاين الأخيرة
فرانكنشتاين
فرانكنشتاين
ناپیژندل شوی مخ
تأليف
ماري شيلي
ترجمة
فايقة جرجس حنا
الفصل الأول
كابتن روبرت والتون يلتقي
فيكتور فرانكنشتاين
بينما كنت واقفا على متن السفينة أتأمل الأرض الجليدية من حولي شعرت ببرد الريح القطبية ينخر عظامي. كنت في منطقة القطب الشمالي. أخيرا تحقق حلم حياتي بالمجيء إلى هنا، ولكن ما الثمن الذي تكبدته أنا ورجالي لتحقيق هذا الحلم؟ علقت سفينتنا وسط الجليد، ولم نعلم هل ستكتب لنا النجاة أم سنموت.
شعرت بحماقتي؛ إذ فشلت الرحلة بأكملها فشلا ذريعا. لقد تحولت رحلتي إلى كارثة تامة بسبب رغبتي في أن أرى جزءا من العالم لم تطأه قدم إنسان من قبل. وها قد انتهى بنا الحال في منطقة بعيدة للغاية في الشمال بسبب أفعالي. كان يجدر بي أن أغتنم أول فرصة وأعود بالسفينة، لكنني رفضت، وبكل عناد واصلت تقدمي، ولم آبه لمدى انزعاج طاقم السفينة من هذا الأمر. كانت معنوياتي منهارة، لكنني كنت عازما على ألا أستسلم.
مر الوقت ببطء شديد، وتمنيت معظم الأيام لو كان برفقتي صديق وفي يؤنس وحدتي؛ شخص أستطيع أن أتحدث إليه أثناء الليالي الطويلة الباردة. لقد افتقدت الأصدقاء أكثر من أي شيء آخر في العالم. لا أنكر أنه كان معي طاقم رجال عظماء على متن سفينتي، لكنهم يعملون لدي. لم يكونوا أصدقائي.
ناپیژندل شوی مخ
بحلول صباح اليوم التالي ازداد الوضع سوءا؛ إذ أحاط الجليد بالسفينة من جميع الجهات. لم يكن بوسعنا غير الانتظار. وبحلول وقت ما بعد الظهر انقشع الضباب من السماء فاستطعنا أن نرى المزيد؛ كان الثلج الأبيض والجليد يمتدان حول السفينة في كل اتجاه.
أشار أحد الرجال نحو منظر غريب على بعد؛ فالتفتنا فإذ برجل ضخم يجر مزلجة ويتجه موغلا نحو الشمال. راقب الطاقم المشهد إلى أن توارى الرجل ومزلجته عن الأبصار وسط الجليد، فالتفتنا بعضنا إلى بعض وتساءلنا: «ترى من هذا؟! بل ما هذا؟!» فعلى حد علمنا لم يكن هناك بشر في هذا الجزء من العالم.
في الصباح التالي صعدت إلى سطح السفينة لأجد البحارة يتحدثون مع شخص ما إلى جانب السفينة. ملت على جانب السفينة فرأيت رجلا يطفو على قطعة من الجليد، وحوله قطع متناثرة من مزلجة مهشمة! لا بد أن الجليد انجرف نحونا في الليل. وحاول رجالي إقناعه بالصعود إلى سفينتنا لئلا يغرق.
حدثني شيء ما أنه ليس نفس الرجل الذي رأيناه البارحة؛ فذلك المسخ بدا متوحشا وعنيفا، وليس إنسانا كاملا. أما هذا الرجل فقد كان رجلا أوروبيا كما تبين من لكنته الأوروبية الواضحة.
صاح الرجل: «اسمي فيكتور فرانكنشتاين. قبل أن أصعد إلى متن السفينة، هلا أخبرتني من فضلك إلى أين أنتم ذاهبون؟»
أجبته: «أنا كابتن روبرت والتون، وهذه سفينتي، ونحن في رحلة إلى القطب الشمالي.» كان فرانكنشتاين مدثرا في طبقات عدة من الفرو، ومع ذلك لا زال يبدو عليه الشعور بالبرد القارس، فقلت له: «لا بد أن تصعد إلى السفينة؛ ستتجمد عندك.»
أومأ الرجل برأسه، وألقى بحاران له حبلا وساعداه في الصعود إلى متن السفينة. •••
كاد فرانكنشتاين يتجمد وكان في حالة مزرية! كان شاحبا وهزيلا، وكان من الواضح أنه في حاجة إلى وجبة جيدة دافئة. واستنتجت أنه مر بوقت عصيب. بل إنه غاب عن الوعي قبل أن نتمكن من أخذه إلى غرفة دافئة، فدثرناه في بطانيات دافئة وجعلناه يحتسي كوبا من الشاي ساخنا، فبدأ يتحسن بالتدريج وعندئذ احتسى بعض الحساء.
وعندما بدا عليه الشعور بالتحسن نقلته إلى غرفتي، ولسبب ما أردت أن أساعده قدر استطاعتي. تقلب كثيرا في فراشه في الليلة الأولى، وملأ الحزن الشديد عينيه كما لو كان يحمل ثقل العالم كله على منكبيه.
يا لها من مفاجأة أن تعثر على إنسان وسط بحار القطب الشمالي الباردة المتجمدة! أراد البحارة أن يسألوه الكثير من الأسئلة، لكن فرانكنشتاين كان لا يزال سقيما ولم أردهم أن يزعجوه كثيرا. وفي إحدى الليالي، بعد العشاء، عرج علينا مساعدي الأول هاردي.
ناپیژندل شوی مخ
سأل هاردي: «لماذا قطعت كل هذه المسافة باستخدام مثل هذه المزلجة الصغيرة؟»
فارقت الابتسامة وجه فرانكنشتاين وحلت محلها نظرة بائسة وقال: «كنت أطارد شخصا فر مني.»
تردد هاردي لحظة ثم قال: «هل كان يتحرك باستخدام نفس النوع من المزالج؟»
حدق فرانكنشتاين فيه وقال: «أجل، كيف عرفت؟» - «أظننا رأيناه. رأينا رجلا يجر نفس النوع من المزالج فوق الجليد.»
صاح فرانكنشتاين: «لا بد أنه المسخ! أي اتجاه سلك؟ أرأيته نجا من الجليد أم لا؟ وبأي سرعة كان يتحرك؟»
أجابه هاردي: «لقد اتجه شمالا، هذا كل ما استطعنا أن نراه.»
استلقى فرانكنشتاين شاحب الوجه على الفراش مرة أخرى.
قلت: «كفى هذا الآن! فهو بحاجة إلى الراحة، أراك صباحا يا هاردي.» أومأ هاردي في أدب ثم انصرف.
وضع فرانكنشتاين رأسه على الوسادة ثم قال في لطف: «لا بد أنك تريد أن تعرف كيف وصلت إلى هنا وماذا أفعل، كان لطفا منك أنك لم تسأل.»
قلت: «أنت بحاجة إلى أن تستعيد قواك، هذا أهم بكثير من إجابة أية أسئلة تلح على عقلي.»
ناپیژندل شوی مخ
ابتسم فرانكنشتاين ابتسامة رقيقة وقال: «لكنك أنقذت حياتي. أنا مدين لك.» - «لا أهمية لهذا الآن. أنت بحاجة إلى الراحة.»
وبعد برهة من الصمت سأل فرانكنشتاين: «أتظن أن الجليد قد انهار بما يكفي لتدمير المزلاج الآخر؟ أتظنه فقد إلى الأبد؟»
أخبرته أنه من الصعب التيقن من ذلك لأن الجليد كان لا يزال صلبا. استغرق فرانكنشتاين في تفكير عميق مرة أخرى ثم قال: «أفضل أن أعود إلى سطح السفينة ترقبا لظهور ذلك المزلاج.»
نهيته بقوة قائلا: «لا، صحتك واهنة للغاية والجو شديد البرودة. سأكلف أحد رجالي بترقبه.»
ابتسم وقال: «أشكرك يا روبرت، هذا كرم منك.»
مرت الأيام القليلة التالية دون وقوع أحداث جديرة بالذكر. تحسنت صحة فرانكنشتاين، لكنه ظل واهنا، وأمضى أوقاتا طويلة غارقا في التفكير. وعلى الرغم من حزنه فقد تسامرنا معظم الليالي حتى وقت متأخر، فبات هو الصديق الذي كنت أصبو إليه بشدة في هذه الرحلة غير الموفقة. وكان كل مأربي هو أن أساعده بكل ما في وسعي، فقد كان فرانكنشتاين إنسانا دمث الخلق، حكيما وذكيا، وكلما عرفته عز علي أن أراه متألما.
تحدثنا في إحدى الليالي عن رحلتي لاكتشاف القطب الشمالي، وأخبرته بالقصة كلها، ولسبب ما ازددت غما.
قلت في خشونة: «أخشى أن تظنني إنسانا أحمق يا فرانكنشتاين، لأنني أنفقت كل أموالي وضغطت على رجالي بشدة من أجل المجيء إلى هنا. لا أعرف سبب أهمية أن أكتشف أراضي لم يرها إنسان من قبل. ثمة شيء بداخلي يدفعني للمضي قدما وأخشى أن شيئا لن يوقفني حتى أتمم الأمر بنجاح. أرجو أن تفهمني، وألا أسقط من نظرك.»
اغرورقت عينا فرانكنشتاين بالدموع عندما شعر بالحماسة المتقدة في صوتي، ثم صاح: «يا لك من تعس! روبرت، لا بد أن تنصت جيدا إلى قصتي. لا بد أن تدرك الخطر الذي تخلفه مثل هذه الرغبات القوية!»
اندهشت من ثورته وقلت: «أي قصة؟ ما الذي تتحدث عنه يا فرانكنشتاين؟»
ناپیژندل شوی مخ
رد فرانكنشتاين سريعا: «معذرة، أرجو أن تغفر لي تحدثي بهذه الحدة. دعنا نتحدث عن شيء آخر.»
غيرت الحديث نزولا على رغبته، وتحدثنا عن طفولتي وأختي التي تعيش في لندن ثم أوينا إلى الفراش.
اعتذر فرانكنشتاين مرة أخرى في الصباح التالي قائلا: «روبرت، لم أقصد أن أصرخ فيك. واعلم أنني فقدت كل شيء أحببته في هذه الحياة بما في ذلك زوجتي وصديق عزيز لي. أريد أن أخبرك بالقصة بأكملها. أظن أنها قد تساعدك في معرفة طريقك.»
الفصل الثاني
حكاية فيكتور فرانكنشتاين
كما يرويها هو
تنحدر عائلتي من جنيف. كدح أبي في العمل بشدة في شبابه. لقد أضنى نفسه في العمل بحق حتى إنه لم يفكر في أي شيء بخلاف واجبه نحو وطنه. حتى الحب بدا أقل أهمية في نظره، ولم يتزوج إلى أن تقدم به العمر.
تتجلى طبيعة صلاح أبي الحقيقية في قصة زواجه من أمي؛ فقد كان لأبي صديق عزيز اسمه بوفورت فقد كل ما يملك ومر بظروف عصيبة. علم الرجل أن حياته قد انهارت، وكان معه من المال ما يكفي فقط لسداد ديونه قبل أن يرحل هو وابنته إلى لوسرن. ولم يرد بوفورت أن يرى أصدقاءه بعدما حدث له؛ إذ كان رجلا أبيا لم يشأ أن يعرف أحد ما حل به.
وطوال عشر سنوات كاملة ظل أبي يبحث عن صديقه ظنا منه أنه في مقدوره أن يجعله يعود إلى بلدته، وأراد أن يساعده في الوقوف على قدميه مرة أخرى.
ولما عثر عليه أبي أخيرا كانت حاله أسوأ كثيرا مما يمكن أن يخطر ببال أبي. كان بوفورت في حالة إعياء شديد، واضطرت ابنته كارولين أن تترك عملها كي تتفرغ لرعايته، وكان كل ما بحوزتهما معا بضع سنتات لا غير. وعلى الرغم من الحياة القاسية التي عانتها كارولين، فإنها احتفظت برقة وطيبة فؤادها اللتين رآهما والدي فوقع في غرامها.
ناپیژندل شوی مخ
تدهورت صحة بوفورت ومات في غضون أشهر قلائل، واغتمت كارولين للغاية؛ إذ لم تكن فقيرة فحسب، وإنما صارت الآن أيضا وحيدة تماما في العالم. وفي يوم جنازة والدها بكت بحرقة شديدة. وماذا تسطيع أن تفعل غير ذلك؟ وقعت كارولين بجانب النعش وبكت، لقد كمدها موت والدها، لكنها كانت أيضا تتساءل عن مصيرها الآن؟!
رفعها والدي برفق، وأخبرها أنه سيعيدها إلى جنيف ويعتني بها. وبعد مرور عامين تزوجا.
وعلى الرغم من فارق السن بينهما، فإنهما نعما بحياة زوجية سعيدة، إذ كان أحدهما يكن الحب والاحترام للآخر، وترك والدي عمله كي يقضي المزيد من الوقت برفقتها، فالسنوات الطويلة التي قضتها أمي في رعاية والدها أضعفت صحتها. ولكي تتحسن صحتها انتقلا إلى إيطاليا حيث المناخ أكثر دفئا. وولدت في نابولي، وذهبت معهما في كل رحلاتهما، وأحباني حبا جما.
ولما كنت في الخامسة من العمر زرنا بحيرة كومو. وكان من عادة أمي أن تقدم المساعدات للعائلات الفقيرة أثناء رحلاتنا، إذ كانت تود أن ترد الجميل إلى العالم بأن تساعد الآخرين تماما كما ساعدها أبي. وخلال إقامتنا عند بحيرة كومو صادفت أمي رجلا وزوجته يعتنيان بأسرتهما الكبيرة، من بين أبنائهما فتاة جميلة صافية البشرة شقراء الشعر ذات عينين زرقاوين جميلتين كانت مميزة عن باقي أشقائها. كانت الفتاة شديدة الجمال فأحبتها أمي في الحال.
زارت أمي هذه الأسرة لأيام عديدة وأمضت الكثير من الوقت تساعد الأم المسكينة وعائلتها الكبيرة، وأحضرت لهم الطعام والملابس، وأمضت أوقاتا طيبة مع الأطفال. وإبان إقامة أمي معهم راقبت الفتاة الجميلة عن كثب فوجدتها حلوة الطبع، طيبة الخلق، لها ابتسامة عذبة.
وبعد ظهر أحد الأيام جلست أمي والمرأة تتسامران والأطفال يلهون ويضحكون ويركضون أمامهما.
أخبرت المرأة أمي أن الفتاة الجميلة ليست ابنتها، ولكنها انضمت إلى العائلة بعدما مات والداها وأصبحت يتيمة، ومع أنها انحدرت من أسرة ثرية فإنها لا تملك أي مال الآن. كاد قلب أمي ينفطر في هذه اللحظة؛ إذ كانت قصة الفتاة تشبه قصتها تمام الشبه حتى إنها سألت المرأة هل يمكن أن تأتي الفتاة لتعيش معنا. وافقت المرأة، وهكذا انضمت إليزابيث لافينزا الجميلة إلى أسرتنا.
أحببت إليزابيث منذ أن رأتها عيناي، فقد كانت فتاة مشرقة وفاتنة صارت هي كل عالمي، فلم نتشاجر قط أو حتى يسيء أحدنا للآخر. كنا مختلفين أيما اختلاف، فما كان من هذا الاختلاف إلا أن عزز أكثر حب أحدنا للآخر. أحبت إليزابيث الشعر والأشياء الجميلة: الأزهار البرية، وشروق الشمس، والفراشات. أما أنا فقد أحببت العلوم، وعالم الطبيعة، والمفكرين العظماء.
كان العالم في نظري سرا كبيرا أردت أن أسبر غوره. أحبت إليزابيث منظر الأشياء، أما أنا فقد أردت أن أكتشف كيف تعمل الأشياء. وتعاونا معا في كل دراستنا، فكنا نقضي الساعات نجول في الحقول ونسبح في البحيرات ونقرأ طوال ساعات الليل.
وبعد مولد أخي إيرنست قرر والداي العودة إلى الوطن للأبد، فاستقررنا في منزل بجنيف وابتعنا منزلا صغيرا في بيليريف، على الساحل الشرقي من بحيرة جنيف. وعشنا في الريف أكثر مما عشنا في المدينة، إذ كان الريف مكانا رائعا لنترعرع فيه.
ناپیژندل شوی مخ
أمضينا أنا وإليزابيث كل لحظة معا، وعادة ما كان ينضم إلينا صديقنا هنري كليرفال، الذي كان ودودا محبا للهو والمرح، وكان ثلاثتنا مختلفين اختلاف الليل والنهار، ومع ذلك أحببنا بعضنا بعضا. نعم ثلاثتنا بطفولة سعيدة سعادة بالغة، وكانا هما أعز أصدقائي، وكنت على يقين من أننا سنظل على الدوام مقربين بعضنا من بعض.
كنت صبيا رزينا دائم التفكير. وأردت أن أتعلم كل شيء وأي شيء، وقد استهوتني أسرار السماء والأرض إلى ما لا نهاية، فكان لا يشغلني شيء سوى العالم من حولي: كيف يسير؟ ولم نحن هنا؟ وكيف جئنا كلنا إلى هذا العالم؟ وما الذي يبعث الحياة في شيء ما؟ ومتى أثارت دراستي اضطرابي - وهو ما كان يحدث كثيرا - كانت إليزابيث تهدئ من روعي. وعندما كنت أصب جم تركيزي على موضوع واحد كان هنري يضحكني.
ولما كبرت تعمقت في دراستي أكثر فأكثر، وأذهلتني قوة العلوم الحديثة، فكنت أقرأ طوال الوقت، وسودت الدفاتر بأفكاري. وباتت كلمات العلماء هي حياتي. وكلما استذكرت تعاظمت رغبتي في معرفة المزيد، فقرأت المزيد والمزيد. لكن كلما قرأت أكثر ازداد انزعاجي؛ إذ لم يجب ولا عالم واحد عن أسئلتي قط، ولم يخبرني ولا كتاب واحد بما أردت أن أعرفه بالضبط. كانت الأفكار تتزاحم برأسي طوال الليل عادة. وكان أصدقائي وأفراد عائلتي لطفاء، فتغاضوا عن أمزجتي المتقلبة، وكانوا يدعمونني مع أنني كنت أمضي أوقاتا طويلة منكبا على قراءة كتب قديمة تعلوها الأتربة.
وظلت الطبيعة مثار تساؤل وغموض لي. بحثت عن سر الحياة. في حقيقة الأمر أردت أن أصنع حياة، لكنني علمت أنه ليس في مقدوري فعل هذا. ولم يكن الوقت والمال يعنيان لي الكثير. الشيء الوحيد الذي كان يهمني هو الاهتداء إلى اكتشاف عظيم. لعلي أستطيع إنقاذ البشرية من الأمراض. وربما أمكنني منع الموت العنيف. ولعلي أستطيع في نهاية المطاف الإجابة عن تلك الأسئلة الغامضة.
وفيما كنا نقيم في بيتنا الصيفي الصغير، في الصيف الذي بلغت فيه الخامسة عشرة من العمر، إذ بعاصفة عنيفة هوجاء تهب دون سابق إنذار تقريبا، والرعد يهزم عاليا في السماء، والسماء تتقد بوميض البرق. وقفت عند الباب الخلفي وحدقت في السحب أتابع العاصفة. وفجأة قصف الرعد بقوة في كل الأرجاء! وبعد لحظة ضربت صاعقة برق شجرة بلوط قديمة أمامي مباشرة، فقسمت قوة الصاعقة الشجرة إلى نصفين ثم اضطرمت النيران فيها.
وعندما خرجت في الصباح التالي لأتفقد الشجرة، كان كل ما وجدته هو جذل محترق وقطع خشب متناثرة في كل مكان.
ومن ثم ركزت بشدة على الكهرباء، إذ أردت أن أعرف كيف اجتمعت كل هذه القوة في صاعقة برق؛ فبدأت بالأساسيات ودرست الرياضيات. علمت أن المبادئ الأساسية تحوي الخيط الذي سيمكنني من بناء مجدي الشخصي. وسرعان ما انشغلت بمنطق الأعداد. لعلي لو علمت حينذاك ما الذي سيحل بي في السنوات اللاحقة، لامتنعت عن الدراسة، لكن القدر دبر الأمور بطريقته، وحدثت العاصفة لسبب ما.
الفصل الثالث
مأساة تحل بالأسرة
مرت السنون وكبرنا. وسرعان ما آن أوان سفري للالتحاق بالجامعة. وقبل رحيلي إلى ألمانيا مباشرة مرضت إليزابيث بشدة بالحمى القرمزية، واستبد بنا جميعا القلق من أجلها، وما زاد الأمر سوءا أن الطبيب أخبرنا أن نبتعد عنها خشية أن تنتقل العدوى إلى أي أحد آخر.
ناپیژندل شوی مخ
تولى الطبيب الاعتناء جيدا بإليزابيث. وبعد مرور أسبوع من مرضها جاء إلى أمي بوجه حزين وأخبرها بأن حالة إليزابيث تدهورت، فلم تحتمل أمي الابتعاد عنها أكثر من هذا، فهرعت إليها واعتنت بها حتى استردت صحتها. لكن سرعان ما تحول هذا الحب إلى مأساة، ومرضت أمي أيضا.
تمكنت الحمى القرمزية من أمي ولم تفارقها، وساءت حالتها أكثر فأكثر. وقبل موتها مباشرة طلبت أمي أن تراني أنا وإليزابيث. جلسنا إلى جانبيها في سكون كل منا يمسك بإحدى يديها. ومع أن وجهها كان شاحبا فقد ظلت جميلة. شخصت إلينا في محبة بعينيها الشفوقتين، وابتسمت وهي تخبرنا بأنها تريدنا زوجين، وكانت تعلم أننا كنا صغيرين على أن نتزوج على الفور، لذا جعلتنا نقطع لها وعدا بأن نتزوج عندما نكبر. لم نندهش أنا وإليزابيث من طلبها؛ إذ كنا نعلم دائما في أعماق قلبينا أننا سنتزوج في نهاية المطاف. ووعدناها برضا تام بأننا سنتزوج حالما أنتهي من دراستي.
عندئذ طلبت أمي من إليزابيث أن تعتني بأسرتنا بعد رحيلها، وأرادتها أن تربي إيرنست وأخي الأصغر ويليام الذي كان رضيعا بعد، فوعدتها إليزابيث بأنها ستشملهما بأحسن رعاية.
وبعدما ودعت أبي وداعا مليئا بالحب، رقدت أمي رقاد الموت في هدوء. بكيناها بكاء مرا، وافتقدنا وجودها كل يوم. لكن الحقيقة المرة هي أن عجلة الحياة لا تتوقف؛ فبعد مرور وقت قليل أخبرني أبي برغبته في أن أذهب إلى الكلية، وأنه يتفهم أنني أفتقد أمي وأنني أريد أن أمكث لمؤازرة أسرتي، لكنه أخبرني أنه لا ينبغي أن تتوقف حياتي بسبب حزني؛ ففي النهاية تعليمي أهم من حزني.
لم أشأ أن أترك أسرتي في خضم حسرتها الشديدة على موت أمي المفاجئ، لكن إليزابيث حدثتني على انفراد في أحد الأيام ونصحتني بالذهاب.
قالت إليزابيث في هدوء: «فيكتور، كلما عجلت بإنهاء دراستك استطعنا أن نتزوج سريعا. كانت أمنية والدتك عند موتها أن ترانا سعيدين. لا بد أن ترحل إلى ألمانيا. لو كانت والدتك على قيد الحياة لكان هذا ما ستريده.»
علمت في قرارة نفسي أن إليزابيث على حق. وقد كانت محقة بشأن الكثير من الأمور. وأصبحت إليزابيث الصخرة التي نعتمد عليها كلنا؛ إذ كانت قوية واعتنت بأبي وأخوي عناية خاصة، وأغدقت علينا الحب من قلبها العطوف الرقيق، فكان حبي لها يزيد مع انقضاء كل يوم. أحببتها حبا عميقا. لقد كانت إنسانة معطاءة. ولما علمت أن أسرتي في رعايتها سهل علي الرحيل كثيرا.
وفي الليلة التي سبقت يوم رحيلي إلى ألمانيا جلسنا أنا وهنري وإليزابيث في المطبخ نحتسي مشروب الشيكولاته الساخنة ونتسامر. تذكرنا قصصا من طفولتنا، وتحدثنا عن أحلامنا، ولم يرد أحد منا أن ينام، لذا سهرنا طوال الليل. واحتسينا طوال الليل بلا انقطاع قدحا تلو الآخر من ذلك المشروب الحلو الدافئ. وعندما أشرقت الشمس في الصباح التالي لم يرد أحدنا أن يفارق الآخر.
وبعد ساعتين كانت حقائبي جاهزة وموضوعة في العربة. وأخيرا حان وقت الرحيل. عانقت أبي عناقا طويلا، وطلبت من إليزابيث أن تعدني بأن تكتب إلي بلا انقطاع. وحبس إيرنست دموعه وأمسك بالرضيع ويليام بقوة، وصافحني هنري بكل قوته. لقد ودعوني وداعا حارا رائعا.
دلفت داخل العربة وقلت لهم: «لا تقلقوا جميعا! سأراكم عما قريب!»
ناپیژندل شوی مخ
بهذه الكلمات بدأت الرحلة الطويلة إلى ألمانيا. استلقيت في المقعد ونظرت من نافذة العربة إلى منزلي الذي أخذ يتضاءل شيئا فشيئا في الفضاء. ولأول مرة في حياتي صرت وحيدا تماما.
الفصل الرابع
فرانكنشتاين يلتحق بالجامعة
استغرقت الرحلة ثلاثة أيام سفر طويلة للوصول إلى إنجولشتات. ومن فرط التعب فاتني جمال المدينة المحيطة بالجامعة. وأمضيت الكثير من الوقت من الأسبوع الأول في حجرتي أستعد للدروس.
جاء يوم الاثنين، وأخذت خطاب التعريف الخاص بي إلى الأساتذة الجامعيين. استقبلني أستاذ العلوم الجديد، الأستاذ كريمب، بفتور. سألني وقد استقرت نظارته فوق طرف أنفه عما درست. فأخبرته عن كل الكتب التي اطلعت عليها عندما كنت صغيرا، وأخبرته أيضا كيف تعلمت كل شيء قدر استطاعتي عن عالم الطبيعة ثم بدأت أدرس الرياضيات. ولما عرف أي علماء قرأت لهم بدأ يصيح: «هراء! كل ذلك هراء!» ثم غمس قلمه في الحبر وكتب في عجالة لبرهة.
ثم قال لي: «ابدأ من هنا. احفظ هذه الكتب عن ظهر قلب. لا بد أن تبدأ من جديد اعتبارا من اليوم.»
أخذت الورقة التي أعطاني إياها. ثم نظر إلي نظرة صارمة وأضاف: «سأعلمك العلوم الطبيعية اعتبارا من الاثنين القادم، وسيعلمك الأستاذ والدمان الكيمياء يوما ويوما. هذا كل شيء.»
قلت في هدوء: «أشكرك يا أستاذ . لن أدخر وسعا لأعوض ما فاتني قبل ذلك الحين.»
أومأ الأستاذ كريمب برأسه، ثم غادرت مكتبه وأنا منزعج لأنني متأخر للغاية.
بدأت دروسي الأسبوع التالي. وكان الأستاذ والدمان يكبر الأستاذ كريمب سنا. بدأ شعره البني يتحول إلى الرمادي إلى جانب أذنيه. ومع أنه كان قصير القامة فقد كان له صوت جهوري.
ناپیژندل شوی مخ
بدأ درسنا الأول بتاريخ الكيمياء. شرح الأستاذ مدى تطور العلوم على مر السنين قائلا: «هناك تطور هائل يتحقق؛ فبمساعدة الميكروسكوب يستطيع العلماء المعاصرون أن يروا عالما لم نكد نعلم بوجوده قبل اليوم.»
وجلجل صوته في كل أنحاء الفصل وهو يقول: «اكتشف هؤلاء العلماء كيف يجري الدم في أنحاء جسم الإنسان ولماذا، وعرفوا مما يتألف الهواء الذي نستنشقه، ويمكنهم أن ينتزعوا الرعد من السماء، وأن يجعلوا الأرض تهتز. إن الإمكانيات التي تمتلكها العلوم اليوم غير محدودة مثل العقول التي تسعى وراءها.»
وتوقف الأستاذ والدمان عن الحديث لبرهة ثم تابع: «وأنتم أيها الطلبة الأحداث ستكونون المجموعة التالية من المفكرين العظماء.»
تسارعت الأفكار برأسي، وفكرت في نفسي: «أجل! أجل! أجل! أنا فيكتور فرانكنشتاين سوف أكشف حقيقة أعظم أسرار العالم!» وحددت هذه الأفكار مصيري، وتدفقت أحلامي كالنهر العظيم، وما من شيء كان بمقدوره أن يعترض سبيلها. وصرت أفضل طلبة الأستاذ والدمان، ولم يفتني درس واحد، وكنت أنصت إلى كل كلمة يقولها.
وفي يوم من الأيام قررت أن أعرج عليه في منزله، إذ كنت أريد أن أقرأ المزيد من الكتب. فرح الأستاذ لرؤيتي، وقد بدا في منزله مختلفا تماما عنه في الجامعة.
سألني في هدوء: «كيف يمكنني أن أساعدك يا فيكتور؟» جلسنا في غرفة المعيشة، واحتسينا القهوة، وتحدثنا عن الكيمياء لوقت طويل.
شرحت له قائلا: «أريد أن أتعلم كل ما أستطيع عن الكيمياء يا سيدي. هل لديك المزيد من القراءات أو التجارب التي يمكنني أن أجريها؟»
أجابني: «أيها الشاب، يسرني أن أسمع كم تتوق إلى التعلم! لكن العلوم لا تقتصر على الكيمياء. لكي تكون عالما بارعا بحق لا بد أن تتعلم كل أنواع العلوم المختلفة، بما فيها الرياضيات.»
أجبته: «أجل يا سيدي، أنا مستعد أن أتعلم أي شيء وكل شيء لا بد أن أعرفه كي أصير عالما عظيما!»
كان الأستاذ والدمان لطيفا حينها حتى إنه أراني معمله الخاص؛ فرأيت الماكينات الرائعة، وأراني أدواته، وأخبرني كيف أنشئ معملا لنفسي. ونحو نهاية مقابلتنا أعطاني قائمة بالكتب التي كنت أبحث عنها. كم كان يوما رائعا! لقد كان له عظيم الأثر علي؛ فقد قرر مصيري.
ناپیژندل شوی مخ
الفصل الخامس
التجارب
كانت الجامعة هي كل عالمي طيلة العامين التاليين، وقد أدهش تقدمي الأستاذ والدمان. وكان أفضل جانب في العلوم هو الاكتشافات العديدة التي اهتدينا إليها. وبنهاية دراستي كنت قد طورت العديد من الأدوات التي كنا نستخدمها في عملنا اليومي. وهكذا أنهيت دراستي الجامعية عالما أنني أتممت تعليمي بنجاح.
ها قد انتهيت من الجامعة الآن، وكان أمامي قرار لأتخذه؛ فإما أعود إلى وطني وأتزوج من إليزابيث، أو أمكث وأستمر في عملي في المعمل؛ فلا زالت لدي أسئلة عن الجسم البشري وآلية عمله: ما الذي يبعث الحياة في كائن ما؟ كان هذا سؤالا صعبا، لكنني ابتغيت بشدة أن أعرف الإجابة. كل الأدوات اللازمة للوصول إلى مثل هذا الاكتشاف العظيم كانت متاحة هنا في معملي. وكل شيء على الجامعة أن توفره كان طوع بناني. لذا قررت ألا أرجع إلى وطني، وبدلا من ذلك مكثت في إنجولشتات.
ولكي أكتشف أسرار الحياة كان لا بد أن أتعلم المزيد عن الموت. قطعا هي فكرة كئيبة، لكنها بدت لي منطقية في ذلك الحين، فبدأت أدرس الجسم البشري وأرى ماذا يحدث له بعد أن تفارقه الحياة.
لم تبد الأمور التي قد تزعج الآخرين مزعجة لي على الإطلاق. ولم أرتعب من الأشباح أو العمل في وقت متأخر وسط القبور. كنت أمضي الساعات في القبور وسط الجثث، أراقب كل مرحلة من مراحل التغير التي تمر بها الجثث. وأذهلتني الفروق بين الحياة والموت، وكنت ألاحظ كل فرق منها.
انقضى الوقت سريعا، فلم ألحظ انقضاء الأسابيع والشهور. وعندئذ، في يوم من الأيام، توصلت إلى أروع اكتشاف، فبعد كثير من التفكير والعمل المضني، اكتشفت أنني أستطيع أن أبعث الحياة في مادة ميتة. فتحت أمامي هذه الاكتشافات عالما جديدا تماما من الفرص وكأنما بفعل السحر.
هتفت: «لقد نجحت! إنها تعمل!»
استغرقت دقيقة حتى استطعت التقاط أنفاسي. جلست على أحد المقاعد بجانب تجربتي وفكرت فيما أفعل الآن. كيف ينبغي لي أن أستخدم الاختراع؟ هل أصنع رجلا مثلي؟ أو أصنع شيئا بسيطا كحيوان صغير؟
قلت لنفسي: «كلا، ما الذي يحتاجه العالم؟ لا يحتاج العالم إلى حيوان آخر. كلا، سأقدم للعلم أعظم الخدمات إذا صنعت إنسانا. ماذا سيظن الناس؟!»
ناپیژندل شوی مخ
أطلقت العنان لمخيلتي. وجعلني هذا النجاح المبدئي أظن أنني أستطيع أن أفعل أي شيء أعزم عليه. لا بد أن يصير هذا الإنسان مثاليا. لذا استغرقت بضعة أشهر أجمع كل شيء أحتاجه. ودفعني هدفي النهائي وكأنه إعصار. لا الحياة ولا الموت بمقدورهما أن يمنعاني عن المضي قدما، فسأكون أنا صانع جنس جديد من الكائنات الحية.
كرست كل وقتي لعملي، فشحبت وجنتاي من قضاء وقت طويل للغاية بالمعمل، ونحل جسمي من عدم تناول الطعام الكافي، وتسارعت الأفكار في ذهني ليل نهار، ونادرا ما كنت أتوقف عن العمل لأنال قسطا من النوم، وقضيت ليالي طويلة أعمل على ضوء القمر وضوء الشموع، إذ كنت مفعما بالطاقة والحماس.
وكان يفصل معملي، الكائن بالطابق العلوي من شقتي، عن سائر الشقق الأخرى سلالم مائلة طويلة، الأمر الذي كان من حسن حظي؛ فلم أكن أريد البتة أن يعثر أي شخص آخر على عملي. كنت أشعر أن الناس لن يفهموا ما الذي أصنعه ولماذا.
كانت الزجاجات المليئة بالسوائل تنتشر في كل الأرجاء، فكان منظرها سيخيف الزائر. وكانت مقلات الأعين، والآذان، وأعضاء أخرى من جسم الإنسان - كثير منها أخذته من المستشفى المحلي - ملقاة في كل مكان. استخدمت أي أعضاء طالتها يدي، فكان أهم شيء عندي هو صنع هذا الإنسان، بصرف النظر عن أي شيء آخر.
انقضى الشتاء وجاء الربيع ومن بعده الصيف، فأصبحت الرياح دافئة، وأينعت الأزهار. ولم أدرك التغيرات المناخية التي طرأت من حولي، ولم أر أيا منها. كل ما استطعت أن أراه هو عملي وحسب. ما من شيء استطاع أن يحركني من مكاني؛ لا التفكير في أصدقائي وأسرتي، ولا حتى في محبوبتي إليزابيث الجميلة.
أدركت أن أسرتي كانت غاضبة مني لأنني لم أرسل لهم ولا خطابا واحدا منذ أشهر، لكنني كنت أعرف في أعماقي أنهم سوف يسامحونني، فهم يعرفون أنني أحبهم. قلت لنفسي إن وراء كل الاختراعات العظيمة تضحيات عظيمة. تراكمت الخطابات الآتية من أفراد الأسرة في حجرة معيشتي كما هي مغلقة وغير مقروءة.
وانقضى الصيف وجاء الخريف، وتغير العالم خارج نافذة معملي مرة أخرى. لقد مرت علي في لمح البصر المواسم التي كنت أحبها والأوقات التي كنت أترقب مجيئها بشغف. اعترتني حمى متزايدة لازمتني طويلا معظم الليالي، وتلفت أعصابي. وكان الشيء الوحيد الذي مكنني من الاستمرار هو التفكير في النجاح.
قلت لنفسي في إحدى الليالي: «قريبا. قريبا سيحيا هذا الرجل.»
الفصل السادس
نجاح وفشل
ناپیژندل شوی مخ
في ليلة من الليالي انهمرت الأمطار بلا انقطاع خارج نوافذ معملي. شعرت بالبرد الشديد بسبب هواء شهر نوفمبر/تشرين الثاني البارد. ولم أكد أصدق أنني انتهيت من العمل. جمعت الأدوات حولي وحاولت أن أبعث الحياة في الكائن الذي صنعته. أوشكت شمعتي أن تحترق كليا. وشعرت بالوهن والإعياء. وعندئذ، على بصيص الضوء الخافت، رأيت المسخ يفتح عينين صفراوين كسولتين. وخرج من فمه نفس. وتحركت ذراعاه وساقاه. لقد دبت فيه الحياة!
بدأت أبكي في الحال تقريبا. لم تكن دموع الفرح كما قد يخال لك. لا، لقد بكيت بؤسا وندما.
صرخت: «ما الذي فعلته؟! يا للكارثة!»
لقد اخترت أعضاء جسمه بعناية بالغة، لكن الأمر تحول إلى كارثة. كيف أصف الرعب الذي انتابني؟ لقد رأيته قبل أن أبعث الحياة فيه، لكنني لم ألحظ أنه كان شديد القبح. والآن بعد أن أصبح على قيد الحياة، ليس بوسعي أن أفعل أي شيء سوى الندم على أفعالي.
كان حجم أطرافه مناسبا، لكن منظر عينيه الشاحبتين المليئتين بالدموع كان بشعا . ولم يكد جلده المصفر يغطي عضلاته وأوردته، وكان شعره أسود ومسترسلا، وأسنانه بيضاء لؤلؤية، لكن شفتيه رفيعتان وسوداوان.
لقد قضيت عامين أصنع هذا المسخ، والآن بعد أن انتهيت تلاشت روعة حلمي كما تلاشى ضوء شمعتي. امتلأ قلبي بالرعب والاشمئزاز. ولم أستطع تحمل النظر إليه، فاندفعت خارج معملي وألقيت بنفسي في فراشي. لم أستطع أن أخلد إلى النوم بسهولة، وراودتني أحلام سيئة مليئة بالصور المخيفة لأمي المسكينة المتألمة وإليزابيث وهي سقيمة.
وعندما استيقظت من نومي وأنا أتصبب عرقا بغزارة، كان المسخ يقف فوق رأسي! أصدر ضوضاء، ربما كانت محاولة منه أن يتحدث. ثم رفع يده العملاقة ليمسكني لكنني وليت الأدبار من الحجرة بأقصى سرعة ممكنة. ركضت عبر السلالم، ثم خرجت من الباب ومنه إلى الشارع. وقفت لأنظر إن كان يتتبعني، ثم ركضت نحو المدينة.
أمضيت بقية الليل أجول في شوارع إنجولشتات، وأنصت إلى وقع الأقدام ورائي. ترى ماذا كان هذا الكائن الشنيع يريد مني؟ سيطر المسخ المرعب الذي صنعته بنفسي على عقلي هذه الليلة، فكنت أرتعب لدى سماع أي صوت، وأظن أن الجسم الذي منحته الحياة مرتكبا خطأ بشعا على وشك الإمساك بي. تخيلت يديه الكبيرتين المخيفتين حول عنقي. كيف انتهى كل شيء إلى هذا الحال بالغ السوء؟ لقد تحول حلمي إلى كابوس حي.
مشيت طوال الليل وسط الأمطار المنهمرة بغزارة، ولم أجرؤ على العودة إلى شقتي. وأخيرا انتهى بي المطاف عند إحدى الحانات على الجانب الآخر من المدينة حيث كانت تقف عربة سويسرية. انفتح باب العربة وإذ بي أرى صديقي العزيز هنري كليرفال.
صاح هنري: «فيكتور! كم أنا سعيد برؤيتك! يا للحظ! كيف عرفت بأمر وصولي؟»
ناپیژندل شوی مخ
للحظة نسيت تعاستي وأمر المسخ، وبدد نسيم الصباح البارد كل أخطائي؛ فللمرة الأولى منذ شهور أفكر في أمر آخر بخلاف تجاربي.
صحت: «هنري!» ثم عانقته بقوة وأجبته: «لا، لم أعرف أنك قادم. ماذا تفعل هنا؟ سعدت برؤيتك للغاية!»
ابتسم وقال: «أخيرا سمح لي أبي بالذهاب إلى الجامعة. أتصدق هذا؟»
أجبته: «هذا رائع! كيف حال أسرتي؟ لا بد أنك محمل بالأخبار من أهلي. كيف حال إليزابيث؟ ووالدي؟ وأخوي؟»
أجاب: «لا تقلق يا فيكتور. جميعهم بخير، مع أنهم يتمنون لو كنت تراسلهم أكثر من هذا.» ثم لكمني في كتفي مازحا وحدق بي وقال: «يا إلهي! أنت هزيل وشاحب، هل أنت مريض؟»
أجبته: «كنت أعمل ليلا ونهارا على إحدى التجارب.» نسيت كل شيء حدث لي الليلة المنصرمة وقلت في عجالة: «دعنا نعود إلى منزلي لنتناول إفطارا شهيا!»
استقللنا عربة هنري إلى شقتي، وبعدما بلغنا المبنى الذي أقيم فيه تملكني الخوف. ماذا لو أن المسخ لا زال هناك؟ لا يمكن أن يراه هنري. ماذا سيظن بي؟
توقفت العربة أمام باب المبنى، وودع هنري السائق. جمعنا حقائبه واتجهنا إلى الممر الأمامي. قلت له: «انتظرني هنا دقيقة واحدة، أود أن أرتب الشقة سريعا.»
رد هنري: «أوه يا فيكتور، لا أكترث بالفوضى. أنا متعب وأود أن أجلس في مكان لا يهتز مثل العربة.»
قلت له متوسلا: «أرجوك، دقيقة واحدة فحسب.» ثم ارتقيت السلالم في لمح البصر. ولما بلغت باب شقتي اقشعر بدني. استجمعت كل شجاعتي، وفتحت الباب على مصراعيه. توقعت أن أجد شبحا، عالما أن تلك المخاوف ستطاردني دائما. تنفست الصعداء عندما وجدت شقتي خاوية؛ لقد رحل المسخ البشع!
ناپیژندل شوی مخ
صحت عند السلالم: «هنري، هيا اصعد!»
جلبت لنا مديرة منزلي وجبة إفطار ضخمة، فتناولنا الطعام معا وأخبرني هنري كل شيء عن رحلته. كانت الرحلة من جنيف في غاية الإثارة! استمر يتحدث ويتحدث عن الناس الظرفاء الذين التقى بهم على طول الطريق. ابتسمت واستمعت إلى قصصه. كم كنت أفتقد صديقي هنري! فقد أنستني أشهر عديدة أمضيتها منعزلا في معملي متعة الصداقة البسيطة.
بعدما انتهينا من تناول الطعام لم أستطع أن أهدأ؛ فقد تحرر شيء ما بداخلي ولم أستطع كبح جماح نفسي، فبداخلي كم هائل من الطاقة. قفزت فوق المقاعد ألوح بيدي بقوة وأقهقه على نحو هستيري. وانزعج هنري من سلوكي الغريب.
صاح في وجهي: «فيكتور، اهدأ لحظة. أنت تثير أعصابي بكل حركاتك. ما الخطب؟»
قلت له: «لا شيء! أنا في أحسن حال!» ثم انفجرت في الضحك ولم أستطع أن أتوقف.
عندئذ ظننت لحظة أنني رأيت المسخ فقلت وأنا أبكي: «لا تسألني!» ثم وضعت يدي على عيني وصرخت: «إنه يعرف! يعرف! أوه، يا إلهي أنقذني! أنقذني!» وكنت أرى في ذهني المسخ وقد أمسك بي وراح يهزني بكل قوة. قاومته، وعندئذ سقطت على الأرض.
هرع هنري إلي، ولا بد أنه ساعدني في الوصول إلى فراشي، لكنني لا أتذكر أي شيء فقد أصبت بحمى لازمتني لفترة من الزمن. اعتنى هنري بي عناية بالغة، وقرر ألا يخبر أسرتي في الحال لأنه يعرف أنهم سيقلقون بشدة علي. لا ينشد المرء صديقا أفضل من هذا!
مرت الشهور دون أن أشعر، وملأت أفكار سيئة أحلامي، ومناظر بشعة للمسخ الذي صنعته. وتملكني الخوف مما فعلته ولا أستطيع أبدا إلغاءه وكأن لم يكن. تقلبت في فراشي كثيرا ليلة تلو الأخرى. ومكث هنري إلى جانبي ليل نهار، وكان يطعمني الحساء ويقرأ لي. تملكت الحمى مني بشدة حتى إن الأيام كانت تمر ولا أستطيع فيها أن أنهض من الفراش، فأصبحت غرفتي هي عالمي بأكمله، ونافذتي هي الطريقة الوحيدة التي عرفت منها أن العالم لا يزال موجودا.
وبالتدريج، بعد الكثير من نوبات الفزع، بدأت أشعر بالتحسن، وكانت ألمانيا في ذلك الحين في ذروة فصل الربيع؛ فالطيور تصدح فوق الأشجار وبدأت الأزهار تتفتح. وكدت لا أصدق أنني كنت سقيما طوال فصل الشتاء، فكيف انقضى كل هذا الوقت؟ ما الذي حدث للمسخ؟ ما الذي فعلته؟ طردت كل هذه الأفكار من ذهني وحاولت أن أفكر في حياتي السابقة على بدء تجاربي. كم استمتعت بوجودي بالخارج. كم لهونا أنا وهنري وإليزابيث حينما كنا صغارا. والآن تحسن مزاجي للغاية بسبب هذا الجو اللطيف جدا.
قلت في صباح أحد الأيام: «هنري! لقد أحسنت إلي أيما إحسان. وكان من المفترض أن تبدأ بالفعل دراستك، لكنك أمضيت فصل الشتاء كله تعتني بي.» ابتسم هنري لكنه لم ينبس ببنت شفة، لذا استرسلت في كلامي : «كيف سأرد لك هذا الإحسان؟»
ناپیژندل شوی مخ
رد هنري: «لا حاجة إلى هذا. كل ما عليك هو أن تتحسن. هذا هو كل ما يهم.» وسكت دقيقة ثم قال: «لكن ثمة شيئا واحدا يمكنك أن تساعدني فيه.»
ارتعدت فرائصي تحت الغطاء. تراه سيسألني عن معملي؟ أو لعله رأى ما يشير إلى المسخ في مكان ما؟ لعله عرف كل شيء! لن أستطيع أن أتحمل إذا اكتشف هنري الأمر، فماذا سيظن بي؟ هل سيخبر أسرتي؟ وهل سيخيب أملهم هم أيضا في؟
لاحظ هنري هلعي فقال متوسلا: «أرجوك لا تنزعج. أريدك أن تبعث خطابا إلى أهلك، فهم يريدون أن يطمئنوا عليك، فالقلق يستبد بهم بشأن صحتك.»
تنفست الصعداء وقلت: «هل هذا هو كل ما في الموضوع؟» ونزعت عني الغطاء وجلست في الفراش وقلت: «بالطبع! لا أريدهم أن يقلقوا بشأني بعد الآن لأنني تحسنت كثيرا.»
هرع هنري نحو الطاولة وقال: «ثمة خطاب هنا من إليزابيث. سأخرج بعض الوقت، وأدعك تقرؤه بنفسك.»
وابتسم لي هنري في عذوبة، وارتدى قبعته وغادر الغرفة. جلست على طاولتي وفتحت الخطاب في هدوء لا أعلم ماذا أتوقع، فقد مر زمن طويل منذ أن قرأت خطابا من أسرتي. ورقص قلبي طربا لمجرد التفكير في مدى سعادتي لسماع أخبارهم.
الفصل السابع
عالم بعيد عن العلوم
توسلت إلي إليزابيث في خطابها كي أكتب إليهم ولو كلمة واحدة، فقد مر زمن طويل منذ أن سمعوا أخباري. وأخبرتني أنها اضطرت أن تقنع والدي ألا يذهب إلى ألمانيا للوصول إلي! وأخبرتني وسط كلامها الحلو كم تاقت إلى المجيء إلى إنجولشتات أيضا، لكنها كانت مضطرة أن تمكث للاعتناء بالمنزل وبأخوي.
أوحت لي كلمات الخطاب بالأخبار السارة فحسب؛ فقد بلغ أخي إيرنست لتوه السادسة عشرة من العمر، وأخبرتني كم يرغب في العمل في السلك الدبلوماسي، مثل أبينا. وذكرت كم كنت سأفخر به لكونه مواطنا سويسريا صالحا! وأخبرتني بشأن مدى كفاءة مربية الأطفال جاستين، وكم هي مسرورة بوجود صديقة إلى جانبها.
ناپیژندل شوی مخ