فتنه کبری (بړخ لومړی): عثمان
الفتنة الكبرى (الجزء الأول): عثمان
ژانرونه
ولست أدري أروي حديث علي إلى عثمان كما قاله أم روي في نص مقارب يؤدي معناه وإن لم يؤد ألفاظه. ولكن المهم هو أن المعارضة في المدينة قد خرجت عن طور النقد الفردي المتفرق الذي يقال هنا وهناك، ثم لا يتجاوز ذلك إلى ما بعده. خرجت عن هذا الطور إلى طور آخر من الاجتماع والتنظيم والاتجاه إلى الخليفة مباشرة، ترفع إليه نقدها لسيرته وإنكارها لسياسته، ثم تنتظر ما يكون منه بعد ذلك. فهي إذن قد خرجت من المعارضة السلبية إلى المعارضة الإيجابية، كما نقول نحن في هذه الأيام. وقد استمع عثمان لرسول المعارضين إليه، ثم رد عليه فقال: قد والله علمت ليقولن الذي قلت. أما والله لو كنت مكاني ما عنفتك ولا أسلمتك، ولا عبت عليك ولا جئت منكرا أن وصلت رحما، وسددت خلة، وآويت ضائعا، ووليت شبيها بمن كان عمر يولي! أنشدك الله يا علي! هل تعلم أن المغيرة بن شعبة ليس هناك؟ قال: نعم. قال: فتعلم أن عمر ولاه؟ قال: نعم. قال: فلم تلومني أن وليت ابن عامر في رحمه وقرابته؟ قال علي: سأخبرك، إن عمر بن الخطاب كان كل من ولى فإنما يطأ على صماخه، إن بلغه عنه حرف جلبه ثم بلغ به أقصى الغاية. وأنت لا تفعل، ضعفت ورفقت على أقربائك. قال عثمان: هم أقرباؤك أيضا. فقال علي: لعمري إن رحمهم مني لقريبة، ولكن الفضل في غيرهم. قال عثمان: هل تعلم أن عمر ولى معاوية خلافته كلها! فقد وليته. فقال علي: أنشدك الله، هل تعلم أن معاوية كان أخوف من عمر من يرفأ غلام عمر منه؟ قال: نعم. قال علي: فإن معاوية يقتطع الأمور دونك وأنت تعلمها، فيقول للناس: هذا أمر عثمان، فيبلغك ولا تغير على معاوية.
2
فهذا الحوار القصير يصور أدق تصوير ما كانت المعارضة في المدينة تنكر على عثمان، وما كان عثمان يرد به على هذا الإنكار. فقد أنكرت المعارضة عليه إيثار قرابته بالأموال والأعمال، وضعفه أمام العمال من أقربائه. ورد عثمان بأنه لم يزد على أن وصل رحما وسد خلة وآوى ضائعا، وأنه سار في اختيار العمال سيرة عمر، فقد ولى عمر المغيرة بن شعبة مع أنه ليس هناك، وولى معاوية خلافته كلها. ورد علي بأن عمر كان يراقب عماله أشد المراقبة ويبطش بهم إن انحرفوا، وبأن معاوية كان يخاف من عمر أشد مما كان يخاف منه غلامه يرفأ. وافترق الرجلان على غير اتفاق، إلا أن عثمان قد وجد على علي لأنه أسلمه ولامه وعاب عليه، وكان الحق عليه أن يرعى ما بينهما من القرابة. ثم لم يكتف عثمان بالاستماع لما سمع من علي وقول ما قال له، بل أراد أن يواجه المعارضة كلها مجتمعة ، وأن ينذر ويحذر.
فخرج حتى جلس على المنبر، ثم قال: «أما بعد فإن لكل شيء آفة، ولكل أمر عاهة، وإن آفة هذه الأمة وعاهة هذه النعمة عيابون طعانون يرونكم ما تحبون ويسرون ما تكرهون، يقولون لكم ويقولون، أمثال النعام يتبعون أول ناعق، أحب مواردها إليها البعيد، لا يشربون إلا نغصا، ولا يردون إلا عكرا، لا يقوم لهم رائد، وقد أعيتهم الأمور وتعذرت عليهم المكاسب! ألا فقد والله عبتم علي بما أقررتم لابن الخطاب بمثله، ولكنه وطئكم برجله وضربكم بيده وقمعكم بلسانه، فدنتم له على ما أحببتم أو كرهتم. ولنت لكم وأوطأت لكم كنفي وكففت يدي ولساني عنكم، فاجترأتم علي. أما والله لأنا أعز نفرا وأقرب ناصرا وأكثر عددا وأقمن إن قلت: هلم، أتي إلي. ولقد أعددت لكم أقرانكم وأفضلت عليكم فضولا، وكشرت لكم عن نابي، وأخرجتم مني خلقا لم أكن أحسنه ومنطقا لم أنطق به. فكفوا عليكم ألسنتكم وطعنكم وعيبكم على ولاتكم، فإني قد كففت عنكم من لو كان هو الذي يكلمكم لرضيتم منه بدون منطقي هذا. ألا فما تفقدون من حقكم؟ والله ما قصرت في بلوغ ما كان يبلغ من كان قبلي ومن لم تكونوا تختلفون عليه. فضل فضل من مال، فما لي لا أصنع في الفضل ما أريد؟ فلم كنت إماما؟» وهم مروان بن الحكم أن يتكلم، فزجره عثمان قائلا: «اسكت لا سكت! دعني وأصحابي. ما منطقك في هذا؟! ألم أتقدم إليك ألا تنطق؟»
3
وهذه الخطبة هي أعنف خطبة خطبها عثمان في خلافته كلها. وهو نفسه قد أحس ذلك واعتذر منه اعتذارا رفيقا يلائم خلقه وطبعه السمح، فقال: «وأخرجتم مني خلقا لم أكن أحسنه ومنطقا لم أنطق به.» على أنه لم يكد يتم خطبته حتى رجع في رفق عذب إلى المألوف من سيرته حين قال لمروان: «دعني وأصحابي.» فهو إذن يتحدث إلى أصحابه لا إلى خصومه، وهو يعنف بهم لأنهم عنفوا به حتى أخرجوه عن طوره. والحليم يغضب ثم لا يلبث أن يعود إلى ما ألف من الحلم .
وعثمان ينكر على أصحابه استماعهم لهؤلاء العيابين الطعانين الذين يظهرون لهم ما يحبون ويخفون عليهم ما يكرهون، ويضللونهم في إمامهم، ويطمعونهم في أشياء ليس إليها سبيل. وعثمان يشير إلى قوم بعينهم في هذا الحديث، يرى أنهم قوام المعارضة، وأنهم يغرون به ويؤلبون عليه لتحقيق آرابهم وبلوغ آمالهم التي طالما انتظروا بلوغها. وهؤلاء بالطبع هم الذين كان عثمان يظن أنهم ينفسون عليه الخلافة ويتمنونها لأنفسهم. ولعله يشير إلى من بقي من أهل الشورى، وإلى الذين كانوا يلهجون بنقده أمثال عمار بن ياسر وغيره من المهاجرين والأنصار.
ثم يقول عثمان لأصحابه إنهم ينكرون عليه أشياء قد أتاها عمر فلم ينكروها عليه؛ لأن عمر اشتد عليهم فخافوه، ولأنه هو لان لهم فطمعوا فيه. ثم ينذر أصحابه وينذر الذين يغرونهم ويؤلبونهم، فيذكر أنه أعز نفرا وأقرب ناصرا وأكثر عددا وأجدر إن دعا أن يستجاب له. وما من شك في أنه يعرض في هذا النذير بمنافسيه الذين لا يعدلونه قوة وبأسا. فبنو أمية كانوا من غير شك أعز نفرا وأكثر ناصرا من سائر أحياء قريش. ثم يعود إلى أصحابه فيسألهم ماذا ينكرون وماذا ينقمون؟ لقد أدى إليهم حقهم كاملا، ولم يقصر بهم عما كان يبلغه أبو بكر وعمر. ثم يعطف على تصرفه في الأموال العامة، فيقول: «فضل فضل من مال، فمالي لا أصنع في الفضل ما أريد، فلم كنت إماما؟» يريد أنه إذا أدى إلى المسلمين حقهم من بيت المال فله أن يتصرف في سائره كما يريد. ذلك شيء تبيحه له الإمامة، وليس لأحد أن يجادله فيه أو ينكره عليه. فقد كانت الجولة الأولى - كما يقول المحدثون - بين عثمان ومعارضيه متكافئة: أنكر المعارضون ثم نظموا إنكارهم ثم رفعوه إلى الخليفة، فرده عليهم، ثم خطبهم فأنذر وحذر واشتد ثم ثاب إلى شيء من لين، ولكنه استمسك بموقفه لم يحد عنه، واستمسكت المعارضة بموقفها لم تحد عنه أيضا. إلا أن الحوادث كانت أقوى منه ومن المعارضة؛ فقد مضت المعارضة في إنكارها، وجاءته الأنباء من الأقاليم بأن المعارضة فيها ليست أقل ولا أهون من المعارضة في المدينة. وكان عثمان قد احتفظ بسيرة عمر، فحج بالناس أثناء خلافته كلها إلا العام الأول لأنه كان مريضا، وإلا العام الأخير لأنه كان محصورا. وكان يلقى عماله في الموسم من كل عام، فيسمع منهم ويقول لهم. فلما لقيهم في الموسم سنة أربع وثلاثين جمعهم للمشورة. ويزعم الرواة أنه أحضرهم عمرو بن العاص. وأشك أنا في هذا؛ فلم يكن عمرو بن العاص عاملا لعثمان سنة أربع وثلاثين، ولم يكن عمرو بن العاص ناصحا لعثمان منذ عزله عن مصر، وإنما أقحم الرواة عمرا في هذه المشورة ليصوروا مكره ودهاءه وكيده لعثمان. وأكبر الظن أنه لم يحضر شوراه إلا هؤلاء العمال الأربعة الذين كانوا يتولون الأمصار ذات الخطر: وهم معاوية، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وعبد الله بن عامر، وسعيد بن العاص. فلما التأمت جماعتهم قال لهم عثمان: إن لكل إمام وزراء، وإنكم وزرائي. وقد رأيتم ما ظهر من تنمر الناس لي ومطالبتهم إياي بعزل عمالي، ومن هذه الفتنة التي أظهرت رأسها، فأشيروا علي.
فأما معاوية، فلم يزد على أن طلب إليه أن يرد العمال إلى أمصارهم، وأن يكلهم إلى كفايتهم، وأن يعتمد عليهم في أن يضبط كل واحد منهم مصره ويحزم أمره، ويكفي الإمام من قبله من الناس. وأما سعيد بن العاص، فأشار عليه بأن يقتل قادة المعارضة وزعماء الفتنة. وأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فأشار عليه أن يترضى الناس ويعطيهم من بيت المال ويأخذهم من طريق أطماعهم. وأما عبد الله بن عامر، فأشار عليه بأن يرسل الناس إلى الجهاد، ويشغلهم بالحرب، ويطيل إقامتهم في الثغور. وبهذا الرأي أخذ عثمان؛ رد العمال إلى أمصارهم، وأمرهم أن يحسنوا السياسة ويتشددوا في حقوق الله، ويأخذوا الرعية بالحزم ويرسلوهم إلى الغزو، ويقطعوا العطاء عمن ظهر منه عوج أو انحراف. وعاد عثمان إلى المدينة، وصحبه معاوية في طريقه إلى الشام. وفي المدينة عقد عثمان مجلسا آخر للمشاورة، شهده معاوية وشهده نفر من كبار الصحابة فيهم علي وطلحة والزبير وسعد. وبدأ معاوية الحديث، فأوصى هؤلاء النفر بالإمام الشيخ، وحذرهم من الفتنة والفرقة، ولم يخل تحذيره من بعض النذير. فنهره علي، وكان بينهما حوار لم يخل من جفوة. ثم تكلم عثمان كلاما فيه كثير من لين ورفق، وأظهر أنه سائر إلى ما يشير القوم به عليه، فقيل له: إنك أعطيت فلانا وفلانا، فاسترد ما أعطيت. فوعد عثمان بذلك ورضي القوم، وتفرقوا على شيء من رضا. ولم يكن شك في أن المعارضة قد ربحت بعض الربح؛ فقد استشار عثمان زعماءها وأجابهم إلى بعض ما أرادوا.
وانصرف معاوية إلى المدينة بعد أن أوصى المهاجرين بالإمام الشيخ مرة أخرى، وبعد أن لمح لهم مرة أخرى كذلك بالتحذير والنذير. وكان يظن أن الناس سيستقبلون سنة خمس وثلاثين بشيء من دعة وهدوء. ولكن أهل الكوفة ثاروا وردوا واليهم سعيدا كما قدمنا، وطلبوا أن يولى عليهم أبو موسى. واضطر عثمان إلى أن يجيبهم إلى ما أرادوا؛ فكان هذا أول الفتنة: عرضت الكوفة لغيرها من الأمصار مثلا، فلم تلبث الأمصار أن اتبعته، وظهر للناس أن الثورة طريق موصلة إلى ما يريد الثائرون.
ناپیژندل شوی مخ