فتنه کبری (بړخ لومړی): عثمان
الفتنة الكبرى (الجزء الأول): عثمان
ژانرونه
وواضح جدا أننا لا نستطيع أن نذهب هذا المذهب أو ذاك؛ فنحن لا نحب الكسل ولا نطمئن إلى الراحة، ولا نغلو في تقديس الناس إلى هذا الحد البعيد، ولا نرى في أصحاب النبي ما لم يكونوا يرون في أنفسهم؛ فهم كانوا يرون أنهم بشر يتعرضون لما يتعرض له غيرهم من الخطايا والآثام. وهم تقاذفوا التهم الخطيرة، وكان منهم فريق تراموا بالكفر والفسوق؛ فقد روي أن عمار بن ياسر كان يكفر عثمان ويستحل دمه ويسميه نعثلا. وروي أن ابن مسعود كان يستحل دم عثمان أيام كان في الكوفة، وهو كان يخطب الناس فيقول: «إن شر الأمور محدثاتها، وكل محدث بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.» يعرض في ذلك بعثمان وعامله الوليد.
وروي أن عبد الرحمن بن عوف قال لعلي: إن شئت أخذت سيفك وآخذ سيفي؛ فإنه خالف ما أعطاني. وروي كذلك أنه قال لبعض أصحابه في المرض الذي مات فيه: عاجلوه قبل أن يطغى ملكه.
والذين ناصروا عثمان من أصحاب النبي كانوا يرون أن خصومهم قد خرجوا على الدين وخالفوا عن أمره، وهم جميعا من أجل ذلك قد استحلوا أن يقاتل بعضهم بعضا، وقاتل بعضهم بعضا بالفعل يوم الجمل ويوم صفين، إلا ما كان من سعد وأصحابه القليلين الذين اعتزلوا فلم يشاركوا في الفتنة ولم يدفعوا إلى الحرب، والذين كان سعد يصور رأيهم أحسن تصوير حين كان يقول: لا أقاتل حتى تأتوني بسيف يقول: هذا مؤمن وهذا كافر. وإذا دفع أصحاب النبي أنفسهم إلى هذا الخلاف وتراموا بالكبائر وقاتل بعضهم بعضا في سبيل ذلك، فما ينبغي أن يكون رأينا فيهم أحسن من رأيهم هم في أنفسهم، وما ينبغي أن نذهب مذهب الذين يكذبون أكثر الأخبار التي نقلت إلينا ما كان بينهم من فتنة واختلاف. فنحن إن فعلنا ذلك لم نزد على أن نكذب التاريخ الإسلامي كله منذ بعث النبي؛ لأن الذين رووا أخبار هذه الفتن هم أنفسهم الذين رووا أخبار الفتح وأخبار المغازي وسيرة النبي والخلفاء. فما ينبغي أن نصدقهم حين يروون ما يروقنا، وأن نكذبهم حين يروون ما لا يعجبنا. وما ينبغي أن نصدق بعض التاريخ ونكذب بعضه الآخر ، لا لشيء إلا لأن بعضه يرضينا وبعضه يؤذينا. وما ينبغي كذلك أن نصدق كل ما يروى أو نكذب كل ما يروى، وإنما الرواة أنفسهم ناس من الناس؛ يجوز عليهم الخطأ والصواب، ويجوز عليهم الصدق والكذب. والقدماء أنفسهم قد عرفوا ذلك وتهيئوا له ووضعوا قواعد التعديل والتجريح والتصديق والتكذيب، وترجيح ما يمكن ترجيحه، وإسقاط ما يمكن إسقاطه، والشك فيما يجب الشك فيه. فليس علينا بأس من أن نسلك الطريق التي سلكوها، وأن نضيف إلى القواعد التي عرفوها ما عرف المحدثون من القواعد الجديدة التي يستعينون بها على تحقيق النصوص وتحليلها وفقهها.
والشيء الذي لا يمكن أن يتعرض للشك هو أن المسلمين قد اختلفوا على عثمان، وأن هذا الاختلاف قد انتهى إلى ثورة قتل فيها عثمان، وأن هذه الثورة قد فرقت المسلمين تفريقا لم يجتمعوا بعده إلى الآن.
فلا بد لهذا الاختلاف من أسباب، ولا بد لهذه الثورة من مقدمات. فعثمان لم يقتل نفسه ولم يقدم نفسه ضحية لقاتليه. والذين اختلفوا عليه وثاروا به وقتلوه لم يفعلوا ذلك عن غير علة أو سبب، وإنما كانت هناك أمور أنكروها مخطئين أو مصيبين، ثم دعاهم إنكارها إلى الاختلاف والثورة وإحداث هذا الحدث الذي لم يسبقوا إليه؛ وهو قتل الإمام عنوة واقتدارا.
ثم نلاحظ بعد هذا وذاك أن إمامة عثمان كانت صحيحة ما في ذلك شك؛ فالمسلمون جميعا قد بايعوه ورضوا إمامته وسمعوا له وأطاعوا. ومهما يقل القائلون في طريقة اختيار المسلمين لخلفائهم، فإن الاختيار نفسه كان صحيحا مجمعا عليه؛ فلم يخالف في إمامة أبي بكر وعمر إلا سعد بن عبادة ولم يلتفت إلى خلافه أحد، ولم يخالف في إمامة عثمان أحد ما. وقد بينا أن ما يروى من تلكؤ علي في البيعة لا يلائم سيرته ولا خلقه ولا مذهبه مع الشيخين، ولا العهد الذي أعطاه لعبد الرحمن ولا سيرته مع عثمان نفسه. وقدمنا أن طلحة غضب وجلس في داره؛ لأن البيعة تمت في غيبته، ولأن مثله لا يفتات عليه، ولكنه على ذلك لم يلبث أن بايع كما بايع الناس، وسمع وأطاع كما سمع الناس وأطاعوا؛ فكانت إمامة عثمان صحيحة مجمعا عليها كإمامة صاحبيه من قبله. فكل ما صدر عنه من أمر ونهي ومن قول وفعل إنما صدر عن إمام صحت بيعته ووجبت طاعته. ولكن البيعة كما قدمنا عقد بين الإمام والرعية؛ فهي لا تلزم الإمام وحده، وإنما تلزم الطرفين المتعاقدين. والعقد الذي كان بين عثمان وبين المسلمين هو أن يلزم عثمان كتاب الله وسنة رسوله وفعل أبي بكر وعمر لا يحيد عن شيء من ذلك، وأن يسمع المسلمون له ويطيعوا ما وفى بعهده وما لم يغير من الكتاب والسنة وسيرة الشيخين شيئا.
فالمسألة هي بالدقة ما يأتي: أخالف عثمان عن كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين؟ أم لزم ذلك فلم يخالف عنه في قليل ولا في كثير؟ فإن تكن الأولى فليست له على المسلمين طاعة فيما خالف فيه عهده. وإن تكن الثانية فليس للمسلمين أن يعصوا أمرا ويقبلوا على ما نهاهم عنه أو ينكروا سيرته فضلا عن أن يختلفوا عليه ويثوروا به ويحصروه ويقتلوه.
هذه هي القضية كما ينبغي أن تصور وأن تعرض، وكما تصورها القدماء وعرضوها.
فلننظر كيف تصور القدماء هذه القضية، وكيف عرضوها جملة وتفصيلا.
الفصل الثالث والعشرون
ناپیژندل شوی مخ