فتنه کبری (بړخ لومړی): عثمان
الفتنة الكبرى (الجزء الأول): عثمان
ژانرونه
وهناك سبب آخر يدعو إلى الشك في هذه القصة التي حملت عثمان على عزل سعد وتولية الوليد، وهو أن عثمان نفسه قد سار في بيت المال بالمدينة سيرة أعظم خطرا مما نسب إلى سعد؛ فهو قد أعطى رجلا من ذوي قرابته مقدارا ضخما من بيت المال، واستكثر عامله على بيت المال هذا المقدار فلم يخرجه، فألح عثمان فأبى الخازن، فلامه عثمان وقال له في قصة سنعرض لها في إبانها: «ما أنت! إنما أنت خازن لنا.» قال صاحب بيت المال: «ما كنت أرى أني خازن لك، وإنما خازنك أحد مواليك، لقد كنت أراني خازنا للمسلمين»، ثم أقبل بمفاتيح بيت المال فعلقها على منبر النبي وجلس في داره. فإذا سار عثمان في بيت المال هذه السيرة، فغريب أن ينكر على سعد ما يقال من أنه اقترض من بيت المال شيئا وطلب النظرة في أداء ما كان عليه من دين. وكما أن عمر لم يعزل سعدا عن خيانة، فقد نرى أن عثمان لم يعزل سعدا عن خيانة ولا عن شيء يتصل بالخيانة من قريب أو بعيد، وإنما أنفذ وصية عمر، ثم عزل سعدا ليجعل مكانه رجلا من آل أبي معيط. ويجب أن نقرر أن الوليد قد سار أثناء ولايته على الكوفة سيرة فيها كثير جدا من الغناء وحسن البلاء. فهو لم يقصر في سد الثغور والإمعان في الفتح، وإنما بلغ من ذلك غاية عرفت له وتحدث بها الناس في حياته وبعد موته. وهو قد ساس أهل الكوفة سياسة حزم وعزم ومضاء، فأقر الأمن، وضرب على أيدي المفسدين من الأحداث والذين لا يرعون للنظام حرمة ولا يرجون للدين وقارا. عدا نفر من الشباب على فتى من أهل الكوفة فقتلوه، فأخذهم الوليد وأقام عليهم الحد، فقتلهم على باب قصر الإمارة. ويقول بعض الرواة إن هذا أحفظ عليه آباء هؤلاء القاتلين المقتولين، فأخذوا يتلمسون أغلاطه ويتكلفون اتهامه ويشككون فيه الناس، ثم ما زالوا به، حتى دخل عليه منهم داخل فسمر عنده وتأخر، فلم ينصرف حتى نام الوليد، فقام فاستل خاتمه من أصبعه وذهب مع صاحب له بالخاتم إلى عثمان فشهدا عنده على الوليد بشرب الخمر.
والتكلف في هذه القصة أظهر من أن نحتاج إلى تبينه وإطالة القول فيه. فما أمير ينام وعنده سماره ، ثم يمعن في النوم حتى يستل خاتمه من أصبعه دون أن يحس ذلك أو يحسه أحد من خدامه وحجابه وشرطه! وإذا كان الأمر من التهاون والاستخفاف بحيث يستل منه خاتمه الذي يمضي به الأمر والنهي ويمضي به كتبه إلى الخليفة وإلى قواده في الثغور، فما هو من الحزم والعزم والفطنة في شيء. وإنما الأشبه ما قاله خصوم الوليد من أنه كان يعاقر الخمر مع صديقه وشاعره أبي زبيد، ذلك الذي عرفه في تغلب حين كان مصدقا فيهم، فأنصفه من أخواله بني تغلب وآثره بمودته. وكان أبو زبيد طائي الأب تغلبي الأم، وكان نصرانيا. فلما ولي الوليد أمر الكوفة كان هو يفد عليه، فيقيم عنده ويأخذ جوائزه. وما زال به الوليد حتى أسلم فقرب ما بينهما. وما أرى إلا أن إسلام أبي زبيد كان رقيقا كإسلام الوليد. ويدل على صحة هذا المذهب في هذه القصة أن عثمان أقام الحد على الوليد، والحدود تدرأ بالشبهات. فلو قد رأى عثمان في شهادة هذين الشاهدين شبهة قوية أو ضعيفة لتحرج من إقامة الحد عليه. وليس البأس على عثمان في أن يدرأ الحد بالشبهة، وإنما البأس كل البأس في أن يقيم الحد والشبهة قائمة مهما يكن حظها من الضعف.
والناس يختلفون فيمن أنفذ أمر عثمان بإقامة الحد على الوليد، فقوم يرون أن عليا هو الذي ضرب الوليد إنفاذا لأمر عثمان حين نكل كثير من الناس عن ضربه. فإن صحت هذه الرواية - وما نراها تصح - فعلي أعلم بالدين وأحفظ للسنن وأشد إيثارا لرضا الله وإنفاذ أمره من أن يقيم الحد والشبهة قائمة. وزعم أكثر الرواة أن الذي ضربه هو سعيد بن العاص الأموي. وسعيد قريب القرابة من عثمان ومن الوليد، وهو صاحب عصبية واعتداد بمكان الخليفة ورهطه الأدنين والأبعدين. فلو قد رأى شبهة لكان خليقا أن يراجع عثمان في قضائه، ولكن خليقا إذ لم يفلح أن يعتذر من ضرب الوليد. ولكنه ضربه، وأورث هذا الضرب عداوة متصلة في أعقاب الرجلين.
وقد زعم خصوم الوليد - وما نحسبهم إلا متزيدين - أن الوليد أصبح ذات يوم سكران، فصلى الصبح بالناس ثلاثا أو أربعا، ثم التفت إليهم وقال: إن شئتم زدناكم. فشتمه من شتمه وحصبه من حصبه من الناس، واستعفوا عثمان منه فأعفاهم. وشاعت فيه هذه القالة حتى تندر به المتندرون، وقال فيها الشعراء، فقال الحطيئة فيما زعموا:
شهد الحطيئة يوم يلقى ربه
أن الوليد أحق بالعذر
نادى وقد نفدت صلاتهم:
أأزيدكم؟ ثملا ولا يدري
ليزيدهم خيرا ولو قبلوا
منه لزادهم على عشر
ناپیژندل شوی مخ