فتنه لویه (بله برخه): علي او زامن یې
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
ژانرونه
والغريب أنا نستعرض ما روى البلاذري لنا من كتب علي إلى عماله على المشرق، فلا نرى من هذه الكتب كلها إلا كتابين اثنين يثني فيهما علي على عاملين اثنين ثناء لا تحفظ فيه، وقد روينا لك أحد هذين الكتابين إلى عمر بن أبي سلمة حين عزله عن البحرين، فأما كتابه الثاني فقد أرسله إلى سعد بن معوذ الثقفي عامله على المدائن وهو:
أما بعد، فقد وفرت على المسلمين فيئهم، وأطعت ربك ونصحت إمامك، فعل المتنزه العفيف، فقد حمدت أمرك ورضيت هديك وأبنت رشدك، غفر الله لك، والسلام.
فأما سائر كتبه إلى أولئك العمال، ففي بعضها التأنيب والتوبيخ، وفي بعضها العتاب والتخويف، وفي بعضها الآخر الوعظ والتأديب، وقد علمت ما كان من مصقلة بن هبيرة ومن المنذر بن الجارود، أحدهما يلتوي بالمال حتى يفر إلى الشام، والثاني يلتوي بالمال حتى يحبس فيه، وليس أمر ابن عباس منك ببعيد.
بل لم يكن كل الذين اعتزلوا الفتنة بمأمن من هذه النكسة التي أصابت المسلمين بعد الفتح حين كثر عليهم المال، فإذا كان سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة قد فروا بدينهم من الفتنة فلم يدخلوا في حرب مع أحد الفريقين الخصمين، وصمموا على عزلتهم كما أرادوها خالصة لله ودينه، فقد كان المغيرة بن شعبة مثلا معتدلا، يؤثر العافية في الطائف، ولكنه كان ضيقا بهذه العافية، وكان يتحرق شوقا إلى العمل، ولعله لم يكن يضيق بشيء كما كان يضيق بما أتيح لعمرو بن العاص من نجح، على حين ظل هو يعلك لجامه كالجواد القارح الذي حيل بينه وبين النشاط.
وكان أبو هريرة يقيم في المدينة ولا يكره أن تناله النافلة من مال معاوية بين حين وحين، وقد نشط المغيرة بن شعبة في أمر معاوية بعد أن صار إليه الأمر كله، على حين احتفظ الشيخان سعد وابن عمر بعزلتهما الوادعة.
ولم يكن أهل الحرمين يحبون القتال بعد ما بلوا من الأحداث، فكانوا وادعين يقبلون ما يساق إليهم من خير مهما يكن مصدره، ويبايعون لصاحب السلطان والبأس، كانوا على طاعة علي، ثم بايع أهل المدينة لمعاوية حين أخافهم بسر بن أرطاة، فأما أهل مكة فأجابوا بسرا في غير ما خوف ولا رهب؛ لأن معاوية أوصاه بهم خيرا، فلما ألم بهم قائد علي بعد أن طرد بسرا، بايع أهل مكة لمن بايع له أهل الكوفة، دون أن يتبينوا من هو، وبايع أهل المدينة لمن بايع له أهل الكوفة، بعد أن عرفوا أنه الحسن بن علي.
كل شيء إذن كان يدل على أن سلطان الدين على النفوس لم يكن من القوة في المنزلة التي كان فيها أيام عمر، وعلى أن سلطان المال والسيف كان قد استأثر بالقلوب والنفوس، وكل شيء يدل على أن عليا والذين ذهبوا مذهبه من المحافظة على سيرة النبي والشيخين إنما كانوا يعيشون في آخر الزمان الذي غلب الدين فيه على كل شيء.
فقل إذن في غير تردد: إن أول الظروف التي كانت تقتضي أن يخفق علي في سياسته هو ضعف سلطان الدين على نفوس المحدثين من المسلمين، وتغلب سلطان الدنيا على هذه النفوس.
وكان العرب إلى أيام عمر لا يعرفون من شئون غيرهم إلا قليلا، يحمل إليهم التجار منهم - حين يعودون بتجارتهم - أخبارا مختلطة عن الفرس والروم والحبشة، وعن الشام ومصر والعراق خاصة، وينقل إليهم الوافدون عليهم من التجار الأجانب والمجلوبون لهم من الرقيق أخبارا عن هذه البلاد، لعلها كانت في نفوسهم واضحة، ولكنها كانت لا تكاد تنتقل إلى نفوس العرب حتى تختلط ويشوبها كثير من الإبهام والغموض، حتى كان علم العرب بشئون هذه البلاد أقرب إلى الأعاجيب وأنباء الأساطير منه إلى الحقائق الصحيحة والوقائع الصادقة.
فلما كان الفتح رأت جيوش المسلمين الكثير من حقائق هذه البلاد، ثم استقرت فيها واستقر المستعمرون من العرب فيها كذلك، فعرفوا هذه البلاد معرفة صحيحة، وبلوا من أمورها وأمور أهلها أشياء لم يكونوا يحققونها، وقد أخذهم شيء من الدهش أول الأمر لما رأوا وما سمعوا، ولكنهم ألفوا هذه الأشياء وهؤلاء الناس، ثم جعلوا يختارون مما رأوا من الأخلاق والسير وضروب الحياة ما يستطيعون اختياره، مما يلائم أمزجتهم وطبائعهم وأذواقهم.
ناپیژندل شوی مخ