فتنه لویه (بله برخه): علي او زامن یې
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
ژانرونه
الأمر الثاني الذي لم يكن علي يستكره الناس عليه هو الحرب، كان يرى أن حرب الناكثين والقاسطين والمارقين حق عليه وعلى المسلمين، كجهاد العدو من المشركين وأهل الكتاب، ولكنه لم يكن يفرض ذلك عليهم فرضا ولا يدفعهم إليه بقوة السلطان، وإنما يندبهم له؛ فمن استجاب منهم رضي عنه وأثنى عليه، ومن قعد منهم وعظه ونصحه وحرضه وأبلغ في الوعظ والنصح والتحريض، وهو لم يكره أحدا على حرب الجمل ولا على حرب صفين ولا على حرب الخوارج، وإنما نهض لهذه الحروب كلها بمن انتدب معه على بصيرة من أمره ومعرفة لحقه، ولو شاء لجند الناس تجنيدا، ولكن هذا النحو من الخدمة العسكرية التي يجبر الناس عليها لم يكن قد عرف بعد، ولو شاء لرغب الناس بالمال في هذه الحرب حين نكلوا عنها، ولكنه لم يفعل هذا أيضا، كره أن يشتري نصرة أصحابه له بالمال وأراد أن ينصروه عن بصيرة وإيمان، بل هو قد فعل أكثر من هذا، فخاض بأصحابه غمرات هذه الحروب، ثم لم يقسم فيهم غنيمة إلا ما كان يجلب به العدو من خيل أو سلاح، وقد ضاق أصحابه بذلك، وقال قائلهم كما رأيت فيما مضى: أباح لنا دماء العدو ولم يبح لنا أموالهم!
وكان رأيه في هذا أن حرب المسلم للمسلم غير حرب المسلم للكافر، لا ينبغي أن يراد بحرب المسلم إلا اضطراره إلى أن يفيء إلى أمر الله، فإن فعل ذلك عصم نفسه وماله، ولا ينبغي أن يسترق ولا أن يصبح ماله غنيمة، ولا كذلك حرب غير المسلمين.
فليس غريبا أن يثاقل أصحابه عن حرب أهل الشام بعد ما جربوا من سيرته فيهم، فهي حرب تكلفهم عناء وتعرضهم للموت ثم لا تغني عنهم شيئا؛ لأنها لا تتيح لهم الغنيمة، ونحن نعلم أن العربي يفكر في الغنيمة كلما فكر في الحرب، ولأمر ما حرض الله المسلمين على الجهاد مع نبيه فقال:
وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها
الآية. ففي هذين الأمرين: الخضوع لسلطانه، وحرب عدوه من المسلمين، كان علي يترك أوسع الحرية وأسمحها لأصحابه.
ومن المحقق أن معاوية لم يكن يجند الناس كرها لحرب علي، ولم يكن يستبقيهم في الشام وهم للبقاء فيها كارهون، ولكن من المحقق أيضا أنه كان يعطي فيحسن العطاء، ويشتري من الناس طاعتهم له وحربهم من دونه، وينفق على هذا كله من بيت المال، يرى أن ذلك مباح له، ويرى علي أن ذلك عليه حرام.
الفصل التاسع والثلاثون
ليس من شك في أن عليا قد أخفق في بسط خلافته على أقطار الأرض الإسلامية، ثم هو لم يخفق وحده وإنما أخفق معه نظام الخلافة كله، وظهر أن هذه الدولة الجديدة التي كان يرجى أن تكون نموذجا للون جديد من ألوان الحكم والسياسة والنظام لم تستطع آخر الأمر إلا أن تسلك طريق الدول من قبلها، فيقوم الحكم فيها على مثل ما كان يقوم عليه من قبل من الأثرة والاستعلاء ونظام الطبقات الذي تستذل فيه الكثرة الضخمة، لا من شعب واحد بل من شعوب كثيرة، لقلة قليلة من الناس، عسى أن تكون من شعب بعينه بين هذه الشعوب، وهو الشعب الذي استقر أمر الحكم فيه، بل لم يخفق علي ونظام الخلافة وحدهما، وإنما أخفقت معهما الثورة التي قامت أيام عثمان لتحفظ، فيما كان أصحابها يقولون، على الخلافة الإسلامية إسماحها وصلاحها ونقاءها من شوائب الأثرة والعبث والطغيان والفساد.
فأولئك الثائرون إنما ثاروا - فيما كانوا يزعمون - لأن عثمان لم يحسن سياسة أموالهم ومرافقهم، عجز عن هذه السياسة، على أحسن تقدير، فركب بنو أمية رقاب الناس، وعبث العمال بالولايات والفيء، وأسرف الخليفة في بيت المال يؤثر به ذوي رحمه والمقربين إليه من سائر الناس، فهم كانوا يريدون أن يردوا أمر الخلافة إلى مثل ما كان عليه أيام الشيخين بحيث يتحقق العدل وتمحى الأثرة، ولا توضع أموال الناس إلا في مواضعها، ولا تنفق إلا على مرافقهم، ولا تؤخذ إلا بحقها.
ولكن زعماءهم وقادتهم قتلوا في سبيل هذه الثورة قبل أن يتموا تثبيتها: قتل حكيم بن جبلة في البصرة قبل أن تقع موقعة الجمل، وقتل زميله البصري حرقوص بن زهير في النهروان، وقتل محمد بن أبي بكر وكنانة بن بشر في مصر، ومحمد بن أبي حذيفة في الشام، ومات الأشتر مسموما في طريقه إلى مصر، وقتل عمار بن ياسر بصفين.
ناپیژندل شوی مخ