فتنه لویه (بله برخه): علي او زامن یې
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
ژانرونه
وأبو الأسود الدؤلي أحد الرعية، فمن حقه أن يخاصم الوالي عند الإمام؛ ثم هو أمين الإمام على بيت مال البصرة، فمن الحق عليه أن يرفع إليه كل ما يريبه من تصرفات الوالي فيما اؤتمن عليه من المال، ولكن ابن عباس لم يكتف بما بلغ من هذه المغاضبة، ولا بما انتهى إليه من هذا التصرف الغريب، بل أضاف إليه شرا عظيما، لم يسؤ به الإمام وحده وإنما ساء به الرعية كلها وعامة أهل البصرة خاصة، فهو قد أجمع الخروج إلى مكة، ولكنه لم يخرج منها فارغ اليدين من المال كما دخلها حين ولي عليها، وإنما خرج منها وقد ملأ يديه بما كان في بيت المال مما ينقل، وهو يعلم أن ليس له في هذا المال حق إلا مثل ما لأهل البصرة جميعا فيه.
وقد علم أن أهل البصرة لن يخلوا بينه وبين هذا المال الذي يريد أن يستأثر به من دونهم، والذي يقدره المؤرخون بستة ملايين من الدراهم، فدعا إليه من كان في البصرة من أخواله بني هلال وطلب إليهم أن يجيروه حتى يبلغ مأمنه، ففعلوا.
وخرج ابن عباس ومعه مال المسلمين يحميه أخواله من بني هلال، وثار أهل البصرة يريدون أن يستنقذوا منه ما أخذ، وكادت الفتنة تقع بين بني هلال الغاضبين لابن أختهم، الذين ذكروا عصبية العرب القديمة وأزمعوا أن ينصروا جارهم ظالما أو مظلوما، وبين سائر العرب من أهل مصر الذين غضبوا لمالهم وأبوا أن يغتصب وهم شهود، لولا أن تناهى حلماء الأزد وآثروا جيرانهم في الدار من بني هلال، وتبعتهم في ذلك حلماء ربيعة، وتبعهم الأحنف بن قيس ومن معه من بني تميم، ولكن سائر تميم أزمعوا أن يقاتلوا على هذا المال حتى يستردوه. وبدأت المناوشة بينهم وبين بني هلال، وكادت الدماء تسفك بين الفريقين، لولا أن رجع إليهم حلماء أهل البصرة، فما زالوا ببني تميم حتى ردوهم إلى المصر.
ومضى ابن عباس آمنا يحميه أخواله ويحمون ما أخذ من المال حتى بلغ مأمنه في ظل البيت الحرام، ولم يكد يستقر بمكة حتى أقبل على شيء من الترف، واشترى - فيما يروي المؤرخون - ثلاثة جوار مولدات حور بثلاثة آلاف دينار. وعرف علي ذلك، فكتب إليه:
أما بعد، فإني كنت أشركتك في أمانتي، ولم يكن في أهل بيتي رجل أوثق منك في نفسي لمواساتي ومؤازرتي وأداء الأمانة إلي، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب، والعدو عليه قد حرب، وأمانة الناس قد خربت، وهذه الأمة قد فتنت، قلبت له ظهر المجن، ففارقته مع القوم المفارقين، وخذلته أسوأ خذلان الخاذلين، وخنته مع الخائنين، فلا ابن عمك آسيت، ولا الأمانة أديت، كأنك لم تكن لله تريد بجهادك، أو كأنك لم تكن على بينة من ربك، وكأنك إنما كنت تكيد أمة محمد عن دنياهم أو تطلب غرتهم عن فيئهم، فلما أمكنتك الغرة أسرعت العدوة، وغلظت الوثبة، وانتهزت الفرصة، واختطفت ما قدرت عليه من أموالهم اختطاف الذئب الأزل دامية المعزى الهزيلة وظالعها الكبير، فحملت أموالهم إلى الحجاز رحيب الصدر، تحملها غير متأثم من أخذها، كأنك - لا أبا لغيرك - إنما حزت لأهلك تراثك عن أبيك وأمك، سبحان الله! أفما تؤمن بالمعاد ولا تخاف سوء الحساب؟ أما تعلم أنك تأكل حراما وتشرب حراما؟! أو ما يعظم عليك وعندك أنك تستثمن الإماء وتنكح النساء بأموال اليتامى والأرامل والمجاهدين الذين أفاء الله عليهم البلاد؟! فاتق الله، وأد أموال القوم، فإنك والله إلا تفعل ذلك ثم أمكنني الله منك لأعذرن إلى الله فيك حتى آخذ الحق وأرده، وأقمع الظالم وأنصف المظلوم، والسلام.
ولست أعرف كلاما أبلغ في تصوير الحزن اللاذع، والأسى الممض، والغضب لحق الله وأموال المسلمين في مرارة اليأس من الناس، والشك في وفائهم للصديق، وحفظهم للعهد، وأدائهم للأمانة، وقدرتهم على التزام الجادة ومعصية الهوى من هذا الكلام.
ولكن انظر كيف رد ابن عباس على هذا الكتاب المر بهذه الكلمات، التي إن صورت شيئا فإنما تصور الإمعان في الثقة بالنفس والاستخفاف برأي غيره فيه: «أما بعد، فقد بلغني كتابك تعظم علي إصابة المال الذي أصبته من مال البصرة، ولعمري إن حقي في بيت المال لأعظم مما أخذت منه، والسلام.»
ولست في حاجة إلى أن أطيل الوقوف عند هذا الكتاب الغريب الذي لا يثبت حقا ولا يبرئ من تبعة، وإنما أختم هذه المناقشة المؤلمة بين الرجلين برد علي على ابن عمه في هذا الكتاب الرائع: «أما بعد، فإن من أعجب العجب تزيين نفسك لك أن لك في بيت مال المسلمين من الحق أكثر مما لرجل من المسلمين، ولقد أفلحت إن كان ادعاؤك ما لا يكون وتمنيك الباطل ينجيك من الإثم، عمرك الله! إنك لأنت البعيد البعيد إذن، وقد بلغني أنك اتخذت مكة وطنا وصيرتها عطنا، واشتريت مولدات المدينة والطائف تتخيرهن على عينك وتعطي فيهن مال غيرك، والله ما أحب أن يكون الذي أخذت من أموالهم لي حلالا أدعه ميراثا، فكيف لا أتعجب اغتباطك بأكله حراما؟! فضح رويدا، مكانك قد بلغت المدى، حيث ينادي المغتر بالحسرة، ويتمنى المفرط التوبة، والظالم الرجعة، ولات حين مناص، والسلام.»
وبعض الرواة يزعمون أن عمر هم أن يولي ابن عباس بعض أعماله، ولكنه خاف منه وخاف عليه، خاف منه أن يتأول في أكل الفيء، وخاف عليه أن يورطه ذلك في الإثم.
ويزعم هؤلاء الرواة أن ابن عباس حين ولاه علي البصرة تأول فيما أباح لنفسه قول الله عز وجل:
ناپیژندل شوی مخ