فتنه لویه (بله برخه): علي او زامن یې
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
ژانرونه
فلما قتل عثمان استرجع أكثر الصحابة لأنهم لم يستطيعوا أن ينصروه، وفكروا في غد، وأرادوا أن يستقبلوا أمورهم وتهيئوا لما يقبل عليهم من الأحداث، وأمعن المعتزلون في اعتزالهم وحمدوا الله على أنهم لم يشاركوا في الإثم ولم يخبوا ولم يوضعوا في الفتنة، وأما الآخرون فجعلوا يترقبون ما يصنع الناس، يفكرون في أنفسهم أو يفكرون فيمن يلوذون به من الزعماء.
ولم يكن للمسلمين نظام مقرر مكتوب أو محفوظ يشغلون به منصب الخلافة حين يخلو، وإنما كانوا يواجهون خلو هذا المنصب كما يستطيعون أن يواجهوه.
فأنت تعلم كيف بويع أبو بكر، وكيف رأى عمر أن بيعته كانت فلتة وقى الله المسلمين شرها، وأنت تعلم أن عمر إنما بويع بعهد من أبي بكر إليه وإلى المسلمين، وقد قبل المسلمون عهد أبي بكر لم ينكره ولم يجادل فيه منهم أحد. وقد هم نفر من المهاجرين أن يجادلوا أبا بكر نفسه في هذا العهد فردهم عن هذا الجدال ردا قبلوه وأذعنوا له، وأنت تعلم أن عمر لم يعهد إلى أحد وإنما جعل الأمر شورى بين أولئك النفر الستة من المهاجرين الذين مات النبي وهو عنهم راض، فاختاروا من بينهم عثمان ولم يختلف عليه منهم أحد، ولم يعهد عثمان، ولو قد فعل لما قبل الناس عهده لكثرة ما أنكروا عليه وعلى ولاته وبطانته من الأحداث، أضف إلى ذلك أن الستة الذين عهد إليهم عمر بالشورى قد أصبحوا حين قتل عثمان أربعة، مات أحدهم عبد الرحمن بن عوف في خلافة عثمان، وقتل ثانيهم وهو عثمان، فلم يبق منهم إلا سعد بن أبي وقاص والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وعلي بن أبي طالب، وكان سعد قد اعتزل مع المعتزلين وتجنب الفتنة فيمن تجنبها، فلم يبق إذن إلا هؤلاء الثلاثة: علي وطلحة والزبير.
ثم أضف إلى ذلك أن كثيرا من أصحاب النبي الذين بايعوا الخلفاء الثلاثة لم يكونوا حاضرين أمر الناس في المدينة، فريق منهم قضى نحبه مستشهدا في حروب الردة وفتوح الفرس والروم، أو ميتا في فراشه، وفريق منهم رابطوا في الثغور مجاهدين ما أطاقوا الجهاد، مستقرين في الأمصار الجديدة حين عجزوا عن الجهاد، فلم تكن جماعة المهاجرين والأنصار التي شهدت مقتل عثمان في المدينة كجماعتهم تلك التي شهدت بيعة الخلفاء الثلاثة.
وكان الأمر مختلفا بين علي وطلحة والزبير ليس لهم موقف واحد من الخليفة المقتول ولا من الظروف التي انتهت بقتله.
فأما علي فكان يخذل الناس عن الثورة والفتنة ما وجد إلى تخذيلهم عنهما سبيلا، وقد سفر بينهم وبين عثمان، كما رأيت في الجزء الأول من هذا الكتاب وردهم عن المدينة، وسفر بينهم وبينه مرة أخرى وأخذ لهم منه الرضى، وحاول حين استيأس من ردهم بعد أن احتلوا المدينة على غرة من أهلها أن يقوم دون عثمان فلم يستطع، واجتهد في أن يوصل إليه الماء العذب حين أدركه الظمأ لشدة الحصار.
وأما الزبير فلم ينشط في رد الثائرين نشاطا ملحوظا، ولم ينشط في تحريضهم نشاطا ملحوظا أيضا، ولكنه ظل يترقب وهواه مع الثائرين، ولعله لم يكن يظن أن الأمر سيصير إلى ما صار إليه.
وأما طلحة فلم يكن يخفي ميله إلى الثائرين ولا تحريضه لهم ولا إطماع فريق منهم في نفسه، وكثيرا ما شكا منه عثمان في السر والجهر، والرواة يتحدثون بأنه استعان عليه بعلي نفسه، وبأن عليا استجاب له فذهب إلى طلحة ورأى عنده جماعة ضخمة من الثائرين، وحاول أن يرده عن خطته تلك فلم يستجب له طلحة فخرج علي من عنده وعمد إلى بيت المال فاستخرج ما فيه وجعل يقسمه بين الناس، فتفرق أصحاب طلحة عنه ورضي عثمان بما فعل علي.
وزعم الرواة أن طلحة لما رأى ذلك أقبل حتى دخل على عثمان تائبا معتذرا، فقال له عثمان: لم تجئ تائبا وإنما جئت مغلوبا، والله حسيبك يا طلحة.
ومهما يكن من شيء فقد قتل عثمان وهؤلاء الثلاثة في المدينة يرقبون ما يصنع الناس، وكان الثائرون قد ملأوا المدينة خوفا ورعبا، فلم يكن دفن الخليفة المقتول إلا بليل وعلى استخفاء شديد من الناس.
ناپیژندل شوی مخ