فتنه لویه (بله برخه): علي او زامن یې
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
ژانرونه
وقد رأيت من حديث أبي بكرة أخي زياد لأمه أن زيادا انتفى من عبيد حين انتسب إلى أبي سفيان، ورأيت كذلك في حديث أبي بكرة أنه أقسم ما عرف أبو سفيان سمية قط، فزياد إذن قد انتفى من أبيه المعروف حين ادعى لأبي سفيان، ومعاوية قد أراده على ذلك، وليس شيء من هذا لهما بحال من الأحوال.
وهناك شرط ثالث لصحة التبني، وهو أن يقبله من يقع عليه التبني، وقد سعى زياد في ذلك حتى أغرى معاوية به ورغبه فيه، ولكنه حين أريد على أن يعلن قبوله إلى الناس أعلنه على استحياء وتردد، كما رأيت في كلمته التي رويناها آنفا، والإقرار ببنوة زياد لأبي سفيان لم يصدر بعد بصفة قاطعة عن أبي سفيان نفسه، وإنما زعم الزاعمون أن أبا سفيان لمح به ولم يجرؤ على إعلانه مخافة عمر، ولكن أبا سفيان عاش صدرا من خلافة عثمان، يقول المقللون إنه ست سنين، ويقول المكثرون إنه عشر سنين، وكان عثمان ألين جانبا من عمر، وكان يظهر لبني أمية من لين الجانب أكثر مما يظهر لعامة قريش وعامة المسلمين، فلو قد كان أبو سفيان مؤمنا حقا بأن زيادا ابنه لأقر بذلك أيام عثمان إلا أن يكون قد عرف أن هذا الإقرار لا يباح له، وأن عثمان لا يمكن أن يجيزه لأن لزياد أبا معروفا هو عبيد، ذلك الرومي.
فقد انتظر معاوية باستلحاق زياد أن يموت أبوه، ثم يستلحقه إثر موت أبيه حين كان قريب المكان من عثمان عظيم الشأن في نفسه، بل لم يستلحقه في أيام علي حين كان يعمل في البصرة لعبد الله بن عباس أو حين قام في البصرة مقام ابن عباس، بل لم يستلحقه أيام الحسن، ولم يستعن به على الصلح ولم يفكر في استلحاقه إلا بعد أن خلص له السلطان من جهة ببيعة الحسن، وحين امتنع عليه زياد في فارس من جهة أخرى.
وعسى أن يكون الاستلحاق شرطا من شروط الصلح بينه وبين زياد، فهو إقرار سياسي ليس المرجع فيه إلى الدين ولا إلى أصل من أصوله، وإنما المرجع فيه إلى الدنيا وتحقيق مصلحة سياسية، وهذه المصلحة السياسية واضحة كل الوضوح.
فقد كان زياد أعلم الناس بأهل العراق، وأقدر الناس على سياستهم وحملهم على الطاعة عن رضى أو عن كره، ولم يكن ذكاؤه ودهاؤه يخفيان على معاوية، بل لم يكونا يخفيان على أحد، فقد اصطنعه معاوية إذن ليكفيه شرق الدولة، وليستطيع هو أن يفرغ لغربها، ولم يكن بد لصحة هذا الإقرار من أن يقبله إخوة معاوية، وسائر من ورث أبا سفيان، وواضح أن هؤلاء لم يكونوا يستطيعون إلا أن يذعنوا طائعين أو كارهين.
وهذا الاستلحاق لمصلحة من مصالح الدنيا قد كان معروفا في الجاهلية، وقد حرمه القرآن بالآيتين الكريمتين من سورة الأحزاب:
ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل * ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما .
وقد اتفق المسلمون على أن هاتين الآيتين قد ألغتا بنوة زيد بن حارثة من النبي
صلى الله عليه وسلم ، وكان قد تبناه قبل النبوة في قصته تلك المعروفة، لم يكن يرجو بهذا التبني مصلحة من مصالح الدنيا، وإنما تبناه حبا له وعطفا عليه وعملا بعرف كان مألوفا عند العرب، وألغت الآيتان كذلك بنوة سالم من أبي حذيفة، فعدل الناس عن زيد ابن محمد إلى زيد بن حارثة، ولم يعرفوا لسالم أبا، ولم يعرف سالم لنفسه أبا، فقال الناس: سالم مولى أبي حذيفة، وكان أبو بكرة يقول: «لا أعرف لنفسي أبا، فأنا أخوكم في الدين.» وكان ربما قال: «أنا مولى رسول الله.» أو «أنا مولى الله ورسوله.» لأن النبي أعتقه فيمن نزل إليه في غزوة الطائف من عبيد ثقيف.
وكان هذا النحو من الاستلحاق معروفا عند الرومان أيضا، وكان كثير من قياصرتهم يتبنون الرجال ويجعلون إليهم ولاية العهد من بعدهم، ومن يدري؟! لعل معاوية عرف ذلك فيما عرف من أمر الروم، فلم يستلحق زيادا بنفسه وإنما استلحقه بأبيه، وجعله من رهطه، واستعانه على سياسة العراق وما وراءه من الأقطار.
ناپیژندل شوی مخ