189

صبور على جعجعتهم، مستجل فوق شريهم [672] وأكون لهم ابن عم صدق يكنفهم بزفه، ويجرعهم الأرى بكفه، وإن عططوا عني صديع أنهني صنت أكتادهم بقشيب نجدتي، وإن ذانني محاصر أشاجعهم عن أرجاء حياضهم جاجات بهم إلى عذبة سلسل فرات غير ثماد ولا سلمة ينبع صفوها ويغيض كدرها.

يقول: صبور على جعجعتهم عني على عنفهم وزعزعتهم، قال الشاعر:

كأن جلود النمر خيطت عليهم

إذا جعجعوا بين الإضافة والحبس

ومعنى مستحل مستطيب مرارة فعلهم شبهه بالشري وهو الحنظل، والفوق فهو التجريع ساعة بعد ساعة، فذكر أنه صبور على هذه المرارة لا يجزع منها تكرما منه كما لا يجزع الإنسان من الحلو، ومعنى قوله: يكنفهم بزفه، يقول يحوطهم بريشه، ومعنى يجرعهم الأرى بكفه، يقول يسقيهم العسل بيده وهو الأرى، قال ياسر يرثي ابن أخيه:

وله طعمان أرى وشرى

وكلا الطعمان قد ذيق كل

وأما قوله: عططوا، فإن عططوا مزقوا وهذا فغير منكر في اللغة وفي حديث سواد بن قارب: إن قوما عططوا كتاب رسول الله عليه السلام.

وأما الصديع فهو القميص، وفي ذلك يقول شعراء العرب:

وبان الصبح قد خلعت دجاه

لمبصره كما خلع الصديع

يقول: يخلع عنه الليل كما يخلع القميص، وإنما عني به قميص الأبهة وهو القدر والنجدة، والأكتاد فهي المناكب وما قاربها، قال الشاعر:

إننا معشر خلائقنا الصبر ... إذا السيف جار في الأكتاد

ومعنى قشيب نجدتي: فالقشيب هو الجديد، والنجدة فهو المعروف والمجد، يقول بنجدته يحفظهم ويحوطهم، قال حسان بن ثابت:

عرفت ديار زينب بالكثيب

كخط الوحي في الورق القشيب

يريد الورق الجديد، ومعنى أن ذانني محاصر أشاجعهم [673] أي دفعته، وأشاجعهم فهي أصابعهم، ومعنى عن أرجاء حياضهم أي عن حول حياضهم وجوانبها، قال الله عز وجل: {والملك على أرجائها}[الحاقة:17] يعني جوانبها.

ومعنى جاجات بهم إلى عذبة سلسل فرات دعوتهم إلى العذب الغزير من فضلي وإحساني، والعذبة فهي عين الماء الغزيرة.

مخ ۱۹۴