وقال: ومن الحجة على من ذكرت أنه لو أن رجلا ضم مرة ولمس يديها وبطنها كان ذلك أمرا لا يجوز له فعله ولا يحل عند الله إتيانه، فإذا كان لمس اليد حراما عند جميع أهل الإسلام فمن أين أجازوا غشيان البدن والقعود عليه وإدخال الفرج بين الفخذين، وفي ذلك ما يقول رسول الله صلى الله عليه وآله: ((عورة المؤمن على المؤمن حرام))، وفي الأمر بالحجاب والستر ما يقول عز وجل: {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن}، فحظر عليهن سبحانه ومنعهن أن يضربن بأرجلهن من وراء الجدار ليسمع صلصلة حليهن، فإذا كان عز وجل يمنعهن من تصلصل الحلي لئلا يسمعه من لا خير فيه من مردة الرجال وبينهن وبينه الحجاب فمن أين قال هذا القائل -له الويل- أن مجامعتهم دون فروجهن حلال، عمي قلبه وصم سمعه فيم تهاون وبما على الله، بجهله تقحم لقد جاء شيئا إدا بكشفه لحرم المسملين وإطلاقه لما حظرت العالمين، ثم يزعم أنه مطيع لرب العالمين وكيف والله سبحانه {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب}[الأحزاب:53]، فإذا كان عز وجل لم يطلق المسألة لهن لحاجة إلا من وراء حجاب فهو ما حجب من العينين وورى عن النظر، فلم يجز سبحانه مكالمتهن إلا من وراء حجاب، فكيف يقول من عرف الله [663] وحكمه وأيقن ببعثه وأمره أنه حظر المسألة لهن إلا من وراء حجاب، وأطلق المجامعة لهن في الأفخاذ والخلو بهن، والملامسة لهن، والالتذاذ بمقاربتهن، وفي إكذاب قول من قال بذلك ما يقول الله عز وجل: {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم}[النور :59] فأمرهم سبحانه بالاستئذان لئلا يدخلوا على النساء في سوءاتهن وفي وقت طرحهن لثيابهن وتحسرهن وإبانتهن لمحاسنهن، فإذا كان عز وجل يحظر على من بلغ وعقل الدخول إلا بإذن لما قد ذكرنا من المصادفة لهن على ما لا يجوز أن يبصرهن عليه أحد من الرجال فكيف يطلق من الكشف والغشيان أعظم وأجل من النظر إلى أبدانهن(1) على غير التعمد للإبصار، وإذا جاز له بالكشف لفخذيها جاز له الكشف لبطنها والغشيان فوق فرجها، فهذا أكبر الإثم والفساد عند ذي العزة والاياد والله سبحانه يقول: {وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد}[البقرة:205]، وهل من الفساد شيء أشد مما ركبه وفعله هذا الظالم لنفسه مع ما لا يؤمن من إحبال هذه المرة وإفساد نسلها فيورث أموال المسلمين من لم يجعل الله له منهم ميراثا ولا في أموالهم حكما ويبرز قدامه من قد أمر الله من النساء بالاستتار منه عندهم، فهذا أقبح مقال وأحوال محال، والحمل فقد يكون من الماء يقع على الفرج فيتعلق في الرحم ويتم به الحمل فيكون قد ارتكب أمرا عظيما وإثما جليلا، فلا يقول بذلك إلا فاسق من الرجال أو معاند لله سبحانه في كل حال، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: {والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون}[المؤمنون:57]، فلم يطلق تبارك وتعالى لأحد [664] عرفه وآمن به غشيان مرة إلا من قد ذكر وأطلق وبفضله أحل، ثم قال: {فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون}، فأخبر سبحانه أن كل من قعد إلى مرة سوى من قد أطلق له أنه متعدي ظالم لنفسه، طالب لهلكته، داخل بجرأته في معصية ربه، غير حافظ لفرجه ولا متبع ما أمر به وفي ذلك ما يروى عن رسول الله صلى الله عليه مما روي عن عبد الله بن مسعود أنه صلى الله عليه وآله قال: ((العينان يزنيان واليدان يزنيان والرجلان يزنيان والفرج يزني ))(2) ، وقد علمنا وعلم جميع الخلق أن العين واليد لا يولجان في الفرج ولكن لما أن كانتا العينان ينظران إلى ما لا يجوز لهما واليدان يلمسان ما لا يحل لهما لمسه قال صلى الله عليه وآله: ((العينان يزنيان واليدان يزنيان)) فإذا وقع على هذه الحواس الزنا(1) فكيف لا يقع على الفرج، والدنو بين الفرجين والالتذاذ بذلك فهو الزنا، وفي ما ذكرنا دليل على إبطال قولهم وإكذاب لأفعالهم وتبين لسوء رأيهم.
والجواب في ما سألت عنه من تفسير هذه الآية عندنا: فمعنى قوله سبحانه: {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش}[النحم:32] فهم الصالحون العارفون بالله سبحانه، الذين لا يدخلون في سخطه ولا يتجنبون ساعة طاعته، فاجتنبوا المعاصي التي يستوجبون بها النيران ويخرجون بارتكابها من طاعة الرحمن وهي التي يجري بفعلها الحدود وتقع بها الآثام مما قد أوجب الله تبارك وتعالى فيه ما أوجب على مرتكبه من جميع الأنام من قتل وقطع وحد، فأخبر سبحانه أنهم مجتنبون لهذا، ثم ذكر اللمم وما قد تفضل به من العفو، واللمم فهو ما ألم بالقلب وخطر عليه مما لو أنفذه صاحبه لكان معصية لله ألم بقلبه ثم أعرض عنه ولم يعقده في نفسه ولم يفعله بيده ولا بشيء من جوارحه فهذا هو اللمم، ومن اللمم أيضا ما ألم به الإنسان من غير تعمد ولا قصد له فهذا معنى اللمم ومخرجه [665]، فافهم ذلك إن شاء الله.
[كم يأخذ الفقير من الزكاة]
(2)[وسألتم عن الفقير يحتاج إلى الأخذ من الصدقة، فقلتم: كم يأخذ منها؟
مخ ۱۸۵