Fiqh of Contemporary Transactions
فقه المعاملات المعاصرة
ژانرونه
اشتراط التقابض والمساواة في الأصناف الربوية
الأصناف الربوية الستة لها حالات ثلاث: الحال الأولى: أن يتحدا في الجنس والعلة.
الحال الثانية: أن يتحدا في العلة ويختلفا في الجنس.
الحال الثالثة: أن يفترقا في الجنس وفي العلة.
والشروط التي اشترطها النبي ﷺ في التعامل مع الأصناف الربوية: أن تباع برًا ببر، وملحًا بملح، وهكذا، مع التقابض.
فمن أراد أن يبيع ملحًا بملح أو تمرًا بتمر أو ذهبًا بذهب أو فضةً بفضة، فهذه المعاملة حتى تصح وتكون موافقة لأصول الشرع لا بد فيها من شرطين: الشرط الأول: التقابض في المجلس.
الشرط الثاني: المساواة، جرامًا بجرام، درهمًا بدرهم، درهمين بدرهمين، تمرًا بتمر، كيلو بكيلو، ذهب بذهب جرامًا بجرام، فضة جرام بجرام فضة، ودليل ذلك قول النبي ﷺ: (الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء سواء بسواء)، كما في حديث عمر وجابر قال: (مثلًا بمثل)، ولذلك عمر بن الخطاب ﵁ وأرضاه شد النكير على طلحة عندما أراد أن يصرف الرجل دينارًا بدراهم وقال: انتظر حتى يأتينا فلان، فقال له: لا، بل الآن؛ لأن النبي ﷺ قال: (يدًا بيد)، ولهذا لا يجوز أن تخرج المرأة من عند الصائغ إذا بدلت الذهب بالذهب إلا وقد قبضت البديل وقبض هو الأصل، وكانا متساويان بالجرام، ولا يلتفت إلى كون أحدهما مصوغًا أو أجمل أو أتقن، فلا بد من المساواة؛ لحديث بلال عندما جاء بتمر جنيب إلى النبي ﷺ فقال: (أكل تمر خيبر هكذا؟! قال: لا يا رسول الله! إنا نشتري الصاع بصاع من الجمع، فقال النبي ﷺ: أوه! عين الربا، لا تفعل، بع الجمع بدراهم، ثم اشتر بالدراهم تمرًا جنيبا)، فالجودة والرداءة علة غير مؤثرة في الحكم، فالتأثير في الحكم هو المساواة.
مسألة: جاءت امرأة معها أسورة وزنها خمسة جرامات، فأرادت أن تبدلها عند الصائغ، فأعطته الجرامات، فقال: هذا ذهب قديم جدًا، وعندي أسورة من أمتن ما تكون صنعة، وهي أربعة جرامات ونصف، والنصف الفارق يكون من أجل الصنعة، فبدلت وذهبت، فسألت: هل معاملتي صحيحة أم لا؟ قنقول: هذا ربا، ولا بد ليصح هذا العقد عن شرطين: الشرط الأول: التقابض، وقد وجد، فالمرأة أعطت الصائغ ذهبها وهو أعطاها الذهب الجديد.
الشرط الثاني: المساواة، وقد اختل هذا الشرط، فهذه المعاملة لم يتوافر فيها الشرطان، فلا بد من المساواة ولا بد من التقابض في المجلس حتى يصح هذا العقد.
الحالة الثانية: أن يتفقا في العلة ويفترقا في الجنس، فلا بد أن يتوافر في هذه المعاملة شرط واحد وهو: التقابض في المجلس دون المساواة، مثل بيع عشرة كيلوات تمر بكيلو ملح، أو خمسة جرامات ذهب بنصف كيلو جرام فضة، فهذا يجوز، والدليل على ذلك قول النبي ﷺ: (فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان ويدًا بيد).
إذًا: إذا اختلفت الأجناس والأصناف فلا بد أن يتوافر شرط التقابض في المجلس، فمثلًا: رجل قال: عندي عشرة جنيهات وأريد بدلها دولارًا، فقال له: أبدلها لك بنصف دولار، فقال: خذ بيدك وأعطني نصف الدولار، فهذه المعاملة صحيحة؛ لأنهما تقابضا في المجلس.
والمقصود من التقابض في المجلس: أنه لا ينصرف أحدهما من المجلس إلا وقد أنهى هذه المعاملة.
مسألة: رجل تاجر قال: ضع لي أربعين ألف دولار في البنك، وكم سعرها بالجنيهات؟ قال: مائة ألف، قال: غدًا سآتيك بها، فوضع الرجل له الأربعين ألفًا وانتظر في الغد المائة ألف، فهذا ربا؛ لأنه لم يحصل التقابض في المجلس.
مسألة: رجل اشترى لزوجته قلادة بخمسة آلاف، فأعطى الصائغ أربعة آلاف وقال: سأعطيك الألف الباقي غدًا، فهذا ربا؛ لأنه لم يحصل التقابض الكامل.
الحالة الثالثة: أن يختلفا في الجنس وفي العلة، فهذه بع كيفما شئت، ولا يشترط التساوي ولا التقابض، مثل: أن تبيع كيلوًا من الملح بدراهم أو بذهب، فلك أن تأخذ الملح وبعد أسبوع تعطيه الدراهم أو الذهب، أو تشتري تمرًا بفضة، فتعطي الفضة أولًا ثم تأخذ التمر بعد ذلك، فهذا كله جائز، فهذه الحالة الثالثة لا يشترط فيها شروط عند الجمهور خلافًا للمالكية.
وقول النبي ﷺ: (إذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد)، هذا العموم خصص بحديثين: الحديث الأول: أن النبي ﷺ مات وقد رهن درعه عند يهودي في صاع شعير، فاشترى الطعام وأخر المال، فاختلفت الأصناف في العلة وفي الجنس ولم يشترط التقابض ولا التساوي.
الحديث الثاني: حديث أن النبي ﷺ دخل المدينة وكانوا يسلفون في التمر السنة والسنتين فقال النبي ﷺ: (من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم)، وابن عباس يقول: كانوا يعطون المال أولًا ثم يأخذون التمر.
ففيه دلالة على أنهم عجلوا الصنف وأخروا الصنف الآخر نسيئة، وأقر النبي ﷺ هذه المعاملة.
إذًا: الراجح الصحيح أنه إذا اختلف الأصناف في الجنس وفي العلة فإننا نقول: بيعوا كيف شئتم نسيئة، أو غير نسيئة، سواء حصل تقابض أو لا، حصلت مساواة أو لا، ولا حرج عليكم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
1 / 4