Fiqh of Contemporary Transactions
فقه المعاملات المعاصرة
ژانرونه
اختلاف العلماء في مسألة التورق وأدلة كل قول
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين: القول الأول: هو قول الجماهير من أهل العلم من المالكية والشافعية والأحناف، وهو رواية عن أحمد بأن هذه المعاملة جائزة، وأدلتهم في ذلك ما يلي: أولًا: عموم قول الله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة:٢٧٥]، فهم يقولون: أن الأصل في البيع الحل، أي: كل معاملة حلال بيعًا أو شراءً، إلا ما دل الدليل على الحرمة، فالتورق حلال؛ لأنه لا يوجد حديث عن النبي ﷺ قال فيه إن التورق حرام.
ثانيًا: عموم قول النبي ﷺ كما في حديث بلال عندما أتى بالتمر الجنيب فقال له النبي ﷺ: (أكل تمر خيبر هكذا؟ قال: لا والله يا رسول الله! إني أبدل الصاع من الجنيب بالصاعين من الجمع، قال: أوه! عين الربا، لا تفعل، بع الجمع بالدراهم واشتر بالدراهم جنيبًا).
فوجه الدلالة من هذا الحديث: أن فيه حيلة مشروعة على الربا وهو بيع صاع بصاعين، وذلك قوله ﷺ: (بع الجمع بالدراهم واشتر بالدراهم جنيبًا).
فقالوا: هذا فيه دلالة واضحة جدًا على أن التورق جائز؛ لأنه لما باع التمر وأخذ الدراهم لا يريد الدراهم وإنما يريد أن ينتفع بأكل التمر.
فلذلك لما كان الأصل فيه أنه ما كان يريد الدراهم وإنما يريد السلعة -أي: التمر- أباح له النبي ﷺ ذلك، وكذلك مسألة الرجل الذي يريد التورق.
ثالثًا: الدليل النظري وهو: أن الإنسان في البيع والشراء يريد الانتفاع، سواء انتفع بالسلعة نفسها، أم انتفع بمالها، فلا تحجير عليه؛ لأنه لا يحجر واسع.
القول الثاني: هو الرواية الثانية عن أحمد، وهذه الرواية رجحها شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وقد قال ابن القيم: راجع الناس شيخنا مراجعة شديدة في هذه المسألة وهو حاسم حازم فيها، وكان يقول: هي ربا، والأدلة على ذلك ما يلي: الدليل الأول: حديث عمر بن الخطاب ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)، وجه الدلالة من هذا الحديث: أن الرجل كان ينوي مبادلة مال بمال، فأصبح صرفًا نسيئة بنقص، وهذا لا يجوز؛ لأن النبي ﷺ قال: (لا تبيعوا غائبًا بناجز إلا يدًا بيد)، فكانت الصورة صورة صرف، مائة نسيئة وليست نقدًا بثمانين نقدًا، فالذي اشترى السلعة وباعها، نيته ليس الانتفاع بالسلعة إنما يريد الصرف فقط، فنيته سيولة المال، فكأنه أخذ المائة ألف وصرفها بثمانين نسيئة، أي: دخل في الربا مرتين، فالنسيئة ربا، وربا النسيئة هو الأصل الذي حرمه الشرع، فلذلك يحرم عليه؛ لأنه يصرف المائة بالثمانين أو الثمانين بالمائة دون التقابض في المجلس.
الدليل الثاني: لما سئل ابن عباس ﵄ وأرضاهما عن رجل يريد أن يشتري السلعة ويبيعها ليستفيد بسيولة المال، فقال له: هي دراهم بدراهم بينهما حرير، أي: أنه صنفها من ناحية الصرف، وهذا أثر عن ابن عباس ولا مخالف له.
الدليل الثالث: ورد عن عمر بن عبد العزيز ﵁ وأرضاه أنه قال: التورق هو أصل الربا؛ فإن الله تعالى حرم أخذ دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل؛ لما في ذلك من ضرر المحتاج وأكل ماله بالباطل، وهذا المعنى موجود، ويكون جليًا في هذه الصورة.
فهذه هي الأدلة التي استدل بها ابن القيم التي تنهى عن مشابهة اليهود في المعاملات الظاهرية والباطنية ثم ذيلها بحديث رسول الله ﷺ: (قاتل الله اليهود حرم الله عليهم الشحوم، فأذابوها ثم باعوها فأكلوا ثمنها)، حرم عليهم أكل الشحوم، فقالوا: ما أكلناها وما دخل في المعدة منها شيء، لكنهم أكلوا ثمنها فاعتبرهم الله جل في علاه، أنهم قد أكلوها مع أنهم ما أكلوها حقيقة، إنما أكلوا ثمنها، عاملهم بما في نيتهم، فأصبحوا كالأكلة، وأخذهم الله جل وعلا بما فعلوا.
5 / 4