مرادهم بالعدل معناه الحقيقي ولا مجرد التدوين، لأنهم لا يرون في شرع
الإسلام إنصافًا أصلًا ولو كانوا يرونه فيه لاتبعوه، ولما سموا إقامة الحدود
وحشية ولا سموا المنع من الفوضى الخلقية والعمالية والإباحية على ضوء
الدين السماوي كبت حرية كما هو واضح، ولا يعقل كون التدوين وحده
عدلًا بقطع النظر عن ما هو مدون كما لا يخفى، وبالجملة فإن العدل
المذكور إنما لم يكن مضمونًا في محاكم هذه البلاد، لأن الكفر به من
أصول دينها.
ومما يوضح أنهم ليس مرادهم بالعدل مجرد التدوين إيضاحًا لا لبس
فيه أن كل إنسان يعتقد نظامًا من الأنظمة جورًا وظلمًا لا يقتنع بمجرد حسن
عبارات ذلك النظام وإيضاحها وسهولة منهجها وحسن ترتيبها وهذا
ضروري، ولا شك معه أن العبرة بنفس المدون لا ينضبط، وحسن التدوين
وعلى كل حال فمما لا مجال للشك فيه أن هؤلاء الذين فروا من المحاكم
الإسلامية بدعوى أن العدل ليس مضمونًا فيها، وذهبوا يطلبون العدل
المضمون في محاكم باريس أنهم لا يريدون إلا النظام الوضعي الذي هو
زبالات أذهان الكفرة، وقد أوضحوا ذلك غاية الإيضاح في قولهم: على
نحو ما هو معهود في جميع العالم.
ولهذا لم نفهم وجه كون كلامهم هذا تشويهًا لسمعة الإسلام أو
المسلمين حتى يكون ذلك داعيًا إلى معالجته بالتدوين، ورضي الله عن
حسان بن ثابت في الرد على ذم الكفار للمسلمين:
ما أبالي أنب بالحزن تيس ... أم لحاني عن ظهر غيب لئيم
ومما لا مجال للشك فيه أيضًا أن الذين يعلنون التحاكم إلى وحي الله