فأما قول يحيى النحوي أن الطبيعة قوة تنفذ في الأجسام وتدبرها، فيقال له هل تخلو الطبيعية إذا كانت جوهرا من أن تكون تنفذ في كل الجسم فيشيع جوهر في كل الجسم؟ وإذا جاز هذا فما تنكر من كون جسمين في حال؟ فإن قال ليست في كله، أبطل قوله ووجب أن بعض الجسم لا طبيعة فيه. وهذا خلاف قولهم
ومما يسألون عنه أن يقال لهم: إنا وجدناكم تصفون الطبيعة بما تصفون به الحي المختار العالم الحكيم فتقولون إنها لا تفعل إلا حكمة وصوابا وإنها تقصد غرضا وتفعل شيئا لشيء يكون، كفعلها للجنين العين للنظر واليد للبطش والأضراس للطحن وإنها تضع جميع الأشياء مواضعها وترتبها على ما يجب أن ترتبها عليه وإنها تصور الجنين في الرحم وتدبره ألطف تدبير حتى يكمل ثم تدبر الإنسان وتجلب له الصحة وتنفي عنه الأسقام حتى قال بقراط الطبائع أطباء الأمراض. ثم زعمتم مع ذلك أنها موات غير حية ولا حساسة ولا قادرة ولا مختارة ولا عالمة. وهذه مناقضة بينة وإحالة ظاهرة لأن ما وصفتموها به لا يكون إلا من الحي المختار. ولو أن قائلا قال آخذ حجرا فقال هذا الحجر ليس بحساس ولا متحرك من نفسه ولا يجوز منه تعقل ولا تعلم ولا قدرة ولا إرادة وهو مع ذلك حي، لعلمنا أنه قد ناقض في قوله ووصف الشيء بغير صفته. فكذلك حكمكم في وصفكم الطبيعة بما وصفتموها به مما لا يكون إلا للحي المختار، ثم زعمتم أنها موات غير مختارة. ويقال لهم إذا جاز أن تفعل الطبيعة ما وصفتم ويكون عنها ما ذكرتم وهي موات فلم لا يجوز أن تختارها وتقصدها مع العلم بها وتريدها وهي موات؟. ويقال لهم كيف يكون الموات حكيما ولا يكون مميزا وناطقا ومحسا، وكيف يأتي الترتيب والنظر من غير المميز الحي؟
مخ ۱۱۸