فلم وثائقي مقدمه قصیره
الفيلم الوثائقي: مقدمة قصيرة جدا
ژانرونه
تؤثر ضغوط التسويق على ما يعرف بأنه فيلم وثائقي، فحين عرض فيلم «الخط الأزرق الرفيع» (1988)، للمخرج الفيلسوف إيرول موريس في دور العرض، قلل مسئولو العلاقات العامة من أهمية كلمة «وثائقي» من أجل مبيعات التذاكر. يدور الفيلم حول قصة بوليسية معقدة: هل ارتكب راندال آدامز الجريمة التي حكم عليه بالإعدام على إثرها في تكساس؟ يعرض الفيلم الطبيعة المثيرة للشك لشهادة الشهود الأساسيين، وحين أعيد فتح القضية وضم الفيلم كدليل، أصبح للفيلم مكانة مهمة فجأة، واضطر موريس آنذاك إلى أن يؤكد أنه بالفعل كان فيلما وثائقيا.
على النقيض، كان الفيلم الأول لمايكل موور، «روجر وأنا» (1989)، الذي يمثل اتهاما قاسيا لشركة جنرال موتورز بالتسبب في الانهيار الاقتصادي لمدينة فلينت المعروفة بصناعة الصلب في ميتشجان، ويمثل نموذجا متميزا للكوميديا السوداء، مصنفا كفيلم وثائقي في الأساس. ولكن عندما كشف الصحفي هارلان جاكوبسون أن موور قد شوه تسلسل الأحداث، نأى موور بنفسه عن كلمة «وثائقي»؛ فذهب إلى أنه لم يكن فيلما وثائقيا بل فيلما سينمائيا، إنه عرض ترفيهي ليس لانحرافاته عن التسلسل الدقيق تأثير كبير على الفكرة الأساسية.
وفي التسعينيات، شرعت الأفلام الوثائقية في التحول إلى مجال تجاري كبير في كل أنحاء العالم، وبحلول عام 2004، بلغ حجم النشاط التجاري العالمي في مجال الأفلام الوثائقية التليفزيونية وحده 4,5 مليارات دولار سنويا. ازدهر أيضا تليفزيون الواقع و«المسلسلات الوثائقية»، وهي حلقات مسلسلة تصور في أماكن قد تتميز بالدراما العالية، مثل مدارس تعليم القيادة، والمطاعم، والمستشفيات، والمطارات. وفي مطلع القرن الحادي والعشرين، تضاعفت الإيرادات السينمائية، وأصبحت مبيعات أسطوانات (الدي في دي)، وأنظمة الفيديو حسب الطلب، وتأجير الأفلام الوثائقية مجالا تجاريا كبيرا، وسرعان ما ظهرت أفلام وثائقية معدة خصيصى للهواتف الخلوية، وأفلام وثائقية تعاونية تنتج على شبكة الإنترنت، وصار مسئولو التسويق الذين كانوا يحرصون على إخفاء حقيقة أن أفلامهم وثائقية يفتخرون بتسمية مثل هذه الأعمال «وثائقية».
سبب أهمية التسمية
للتسمية أهميتها؛ فالأسماء تأتي مصحوبة بتوقعات، ولو لم تكن حقيقية، لما استخدمها المسوقون كأدوات تسويقية. إن مصداقية ودقة وموثوقية الأفلام الوثائقية مهمة لنا جميعا، لأننا نقدرها تحديدا لهذه السمات، وعندما تخدعنا الأفلام الوثائقية، فإنها لا تخدع المشاهدين فحسب، ولكنها تخدع أفراد الجمهور الذين قد يتصرفون من منطلق المعرفة المستقاة من الفيلم؛ فالأفلام الوثائقية جزء من وسائل الإعلام التي لا تساعدنا فقط على فهم عالمنا، ولكن على استيعاب دورنا فيه، والتي تشكلنا بوصفها وسيلة إعلام جماهيرية.
وهكذا فإن أهمية الأفلام الوثائقية ترتبط بفكرة الجمهور كظاهرة اجتماعية. للفيلسوف جون ديوي رأي مقنع مفاده أن الجمهور - ذلك الهيكل الذي يمثل أهمية بالغة لسلامة أي مجتمع ديمقراطي - ليس مجرد جمع من الأفراد؛ فالجمهور هم مجموعة من الأشخاص يستطيعون العمل معا من أجل المصلحة العامة، ومن ثم يمكنهم مساءلة السلطة المنيعة المتمثلة في المؤسسات التجارية والحكومة، إنه هيكل غير رسمي يمكن لأفراده التجمع معا في الأزمات إذا اقتضت الضرورة. وهناك جماهير بعدد المواقف والمشكلات التي تستدعيهم، وبإمكاننا جميعا أن نصبح أعضاء بأي جمهور خاص، إذا كان لدينا وسيلة للتواصل معا بشأن المشكلات المشتركة التي نواجهها، ومن ثم فإن التواصل هو روح الجمهور.
وكما أشار جيمس كاري الباحث في مجال الاتصالات: «الواقع مورد نادر.» فالواقع ليس «ما» هو قائم، ولكن ما «نعرفه»، و«نفهمه»، و«نتشاركه» معا مما هو قائم. ووسائل الإعلام تؤثر على أغلى ما تمتلكه على الإطلاق: أفكارك. والأفلام الوثائقية أداة تواصل مهمة في تشكيل الواقع، بسبب مزاعمها بأنها تجسد الحقيقة، فدائما ما يكون للأفلام الوثائقية أساس في الحياة الواقعية، وتزعم بأنها تخبرنا بشيء يستحق المعرفة.
أجل، إن إمتاع المستهلك جانب مهم من مجال صناعة الأفلام، حتى في الأفلام الوثائقية؛ فمعظم صناع الأفلام الوثائقية يبيعون أعمالهم، إما للمشاهدين أو لوسطاء مثل مؤسسات البث والموزعين، وهم ملتزمون بالقواعد التي تحكم هذا المجال، وعلى الرغم من أن تكلفة إنتاج الأفلام الوثائقية أقل بكثير من تكلفة الأفلام الروائية، فتكلفة إنتاجها تظل أعلى بكثير من تكلفة إنتاج منشور دعائي أو كتيب على سبيل المثال. وعادة ما تتطلب الأفلام الوثائقية السينمائية والتليفزيونية مستثمرين أو مؤسسات، مثل مؤسسات البث، لدعمها، ومع ازدياد شعبية الأفلام الوثائقية، زاد ما ينتج منها لإمتاع الجماهير دون تحدي الافتراضات القائمة؛ فهي تجذب وترفه عن المشاهد بأفضل الأدوات المجدية في ذلك، كالإثارة، والجنس، والعنف. وتعتبر الأفلام الوثائقية التي تتناول الحياة البرية، مثل فيلم «مسيرة البطاريق» (2005)، أمثلة كلاسيكية للأعمال التي ترفه عن المستهلك، والتي تستخدم كل هذه الأساليب لجذب المشاهدين وإخافتهم، مع أن الإثارة والجنس والعنف في الفيلم تحدث بين الحيوانات.
يستغل المروجون مدفوعو الأجر أيضا ادعاءات الواقعية للشكل الفني، باعتبارهم مندوبين للحكومة والمؤسسات التجارية، وهو ما قد يسفر عن عواقب اجتماعية مدمرة، كما فعلت أفلام الدعاية النازية، مثل فيلم «اليهودي الخالد» (1937) الذي يعادي السامية بوحشية. وقد تحدث مثل هذه الأعمال تغييرا إيجابيا أيضا؛ فحين أرادت إدارة روزفلت إقناع الأمريكيين ببرامج حكومية جديدة باهظة التكاليف، استعانوا ببعض أبرز القصائد المرئية التي قدمت في ذلك العصر، والتي نفذها بير لورنتز بالتعاون مع فريق من الموهوبين. وقد ساعدت أعمال مثل «المحراث الذي حطم السهول» (1936)، و«النهر» (1938) في إشراك دافعي الضرائب في برامج عززت الاستقرار والنمو الاقتصادي.
غير أن الأفلام الوثائقية خلال تاريخها القصير غالبا ما كانت تنفذ على أيدي أفراد ينتمون بشكل ما لمجال الإعلام التقليدي، من خلال العمل مع مؤسسة حكومية للخدمات الإعلامية مثل هيئة البث العامة، أو مع مؤسسات بث تجارية متلهفة للحصول على جوائز، أو مع مؤسسات غير هادفة للربح، أو مع مؤسسة خاصة، أو مع صناديق تمويل التعليم الحكومي. وعلى هامش الإعلام السائد، وفيما يعد انحرافا بسيطا عن الفهم الراهن للواقع، جاهد الكثير من صناع الأفلام الوثائقية للتحدث بصدق عن السلطة وإليها، فقد كانوا غالبا ما يرون أنفسهم وسيلة إعلام جماهيرية، فلا يتحدثون فحسب إلى جمهور محدود، بل إلى جمهور عام يحتاج للمعرفة لكي يتحرك.
ناپیژندل شوی مخ