25

على أن أحدا لم يجرؤ على أن يحيل تردد الهلباوي، الذي قالوا، على طلب منفعة شخصية من منصب أو جاه أو مال. •••

وقد صحب القضاء المصري الحديث، ودارجه من أول نشأته إلى اليوم، فلم تكد تقع قضية ذات شأن في البلاد إلا دعي لها الهلباوي، فافتن وأبدع، وله في هذا الباب جولات معدودة له على وجه الزمان. فلا عجب إذا عد صحيفة من أحفل صحف القضاء المصري وأظهرها حواشي ومتونا.

وقضى هذا الزمن الطويل محاميا واضحا أمينا مجدا في عمله، حريصا على أداء واجبه، لم تحص عليه كرة واحدة مما يخمش وجه المحاماة.

ثم هو في علاقاته الشخصية شديد التوافي لأصدقائه، حريص على مودتهم، لا يقصر في أداء أي واجب لأي كان منهم. ولا أحسب الهلباوي قد عادى أحدا أو عاداه من الناس أحد إلا في شأن عام.

وإني كلما جاش في نفسي الحقد على الهلباوي بك، هرولت إلى مجلس النواب فشفيت صدري برؤيته، بعد كل ذلك! وقد امتثل حقا لحكم النظام، فهو يرفع إصبعه بطلب الإذن كلما أراد القعود أو القيام، وكلما أراد السكوت أو الكلام، وكلما طلع أو نزل، وكلما عطس أو سعل ، وكلما تحرف أو تخطى، وكلما تثاءب أو تمطى، وكلما دلك أكارعه، أو فتل أصابعه. ولا بد من الخضوع والطاعة لكل من ينتظم في سلك الجماعة، وإلا ساء النظام، واضطرب حبل الأحكام!

وكذلك أخمدت الحياة النيابية هذه الثورة الشيخة الفتية.

وإني إذا لم أصفه في موقفه الجديد بأنه أصبح «كالوحش يستدنيه للقنص المحل»، فإني أقول له: «ولا بد دون الشهد من إبر النحل!»

الدكتور محجوب ثابت

لا شك في أن الدكتور محجوب ثابت يعد بحق، في ميراثنا القومي، ولو - لا أذن الله - جرى عليه القدر، لكان لا بد للأمة من «دكتور محجوب ثابت» بأي طريقة من الطرق. نعم، هو في ميراثنا القومي لا يقل عن آثار سقارة، وجامع السلطان حسن، ومقابر الخلفاء. ولقد أصبح على الزمان جزءا من تقاليدنا الأهلية كحفلة المحمل، ووفاء النيل، وركبة الرؤية، وشم النسيم! ولما فكر المرحوم محمود بك رشاد في جعل العلم المصري محلى بصور بعض الآثار القديمة، فرعونية وإسلامية، لم ير المصور بدا من أن يرسم بجانب الهرم وأبي الهول وجامع برقوق وحضرة سيدي أبي السعود، صورة الدكتور محجوب ثابت.

والدكتور في المصريين كإنجلترا في الأمم، كل منهما يرى عليه للآخرين تبعات لا تنقضي على وجه الأيام! فإذا كان الكلام في النيل وما عسى أن يجتازه عن مصر خزان مكوار تولى «الدكتور» الكلام، وملكه على جمهرة المهندسين! وإذا كانت الثورة تصدر الدكتور لجنة الوفد المركزية، وكلما انتشرت في البلد مظاهرة كان ناظورتها

ناپیژندل شوی مخ