عربي فکر حدیث
الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي
ژانرونه
لكن فرنسا لم تلبث أن وجدت نفسها مطوقة؛ فقد هبت عليها أوروبا من النمسا، إلى روسيا، إلى إنكلترا، إلى إسبانيا. ومن هذه الدول من كانت تخشى اتساع النفوذ الفرنسي، ومنها من كانت تخشى عدوى المبادئ، لا سيما بعد إعدام الملك.
20
وانضم إلى هذا التحالف العام ضد فرنسا: هولندا وأمراء إيطاليا.
شجع هذا التحالف الخارجي انتقاضا داخليا ملكيا في إقليم فانديه
Vendée ، فلم يستطع المؤتمر أن يقمع تلك الثورة إلا بعد عراك شديد دام حتى تشرين الأول سنة 1793. وأصابت الجيوش الفرنسية هزائم في البلجيك فاضطرت إلى الجلاء عنها، وباتت أرض فرنسا عرضة للغزو والاجتياح من جهات عديدة.
ويذكر المؤرخون في هذه المرحلة كيف قامت عامية باريس بأكبر دور مثلته حتى الآن في الثورة؛ إذ حاصرت المؤتمر بقيادة هنريو، وحملته على اعتقال أعضائه من «الجيروند» متهمة إياهم بالتساهل في مصلحة الوطن، وبالمواطأة مع القائد ديمورييه الذي خان وانضم إلى النمسويين. ومنذ 2 حزيران سنة 1793 انحصرت السلطة في حزب الجبل واليعاقبة، فثار أتباع الجيروند، وبدا وكأن الجمهورية الفرنسية الأولى لن يتيسر إنقاذها بسبب التمزق الداخلي والضغط الخارجي. لكن المؤتمر أقام لجنة الإنقاذ العامة
Comité de Salut Publique
مؤلفة من اثني عشر عضوا، وهي اللجنة التي وضع روبسبيير يده على دفتها فسيرها في أعصب الأوقات. وبعض مؤرخي الثورة يتفل على اليد الروبسبييرية، وبعضهم ينصرف إلى المفاضلة بينه وبين دانتون. والواضح أن مصير الثورة، بل مصير فرنسا، كان إذ ذاك معلقا بشعرة، وكان الوضع يقتضي أولا: كفاحا لا هوادة فيه ضد «ميمنة» الجيروند التي دفع بها إخراجها من السلطة إلى أحضان الرجعية الناقمة وإلى استعمال الاغتيال، كما ظهر من قتل الفتاة الجيروندية، شارلوت كورداي، لماراه، أحد أعلام الثورة الشعبيين؛ وكان الوضع يقتضي ثانيا: كفاحا لا هوادة فيه ضد «ميسرة» لا تعرف حدا تقف عنده، يسكرها النجاح وتصر على استفزازات تقصي التأييد عن الثورة، كما تبين من تطرف شوميت إلى «إلغاء الدين» و«عبادة العقل» في شخص امرأة حسناء تنصب إلها!
21
تجاه هذا الوضع كان لا بد من إرادة فولاذية بصيرة تقبض على دفة السلطة فتعين هدف البلاد الرئيس؛ أي إنقاذ الوطن، وإنقاذ الثورة بحشد قوة الشعب، وتهييء الوسائل من أسلحة وغيرها لسحق الأعداء في الداخل وضربهم في الخارج. ولقد وجد الشعب الفرنسي يومذاك هذه الإرادة الفولاذية في روبسبيير ولقبه ب «المعصوم من الفساد»
ناپیژندل شوی مخ