القصر
يحدثنا القاضي النعمان بن محمد بأنه: «لما فتح المعز لدين الله (ص) للمؤمنين باب رحمته، وأقبل عليهم بوجه فضله ونعمته، أخرج إلي كتابا من علم الباطن، وأمرني أن أقرأه عليهم في كل يوم جمعة في مجلس في قصره المعمور بطول بقائه، فكثر ازدحام الناس وغص بهم المكان، وخرج احتفالهم عن حد السماع، وملئوا المجلس الذي أمر باجتماعهم فيه.»
24
وفي موضع آخر قال القاضي النعمان: وسمعته صلى الله عليه - أي سمع المعز - يقول لبعض الأولياء: ما تنظرون اليوم في شيء تنتفعون به، ما تقرءون شيئا، ما تسمعون شيئا؟ فسكتوا، وكنت قبل ذلك قد سمعت بعضهم يحرض بعضا في الاجتماع لقراءة كتاب دعائم الإسلام الذي بسطه المعز لدين الله (صلع)، وجعله في مجلس من مجالس قصره، وأباح لهم حتى أحبوا استماعه وقراءته وانتساخه والتعلم منه والتفقه فيه، وقال بعض من حرض على ذلك: ويحكم! أما تخافون إن قصرتم في هذا أن يكون حجة من الله ومن وليه عليكم أن يختبركم فيه، وقد أباحه لكم دهرا طويلا فيختبركم فيه أو في بعض أبوابه، فلا يجدكم حفظتم شيئا منه ولا انتفعتم به، فيقال لكم: إذا كنتم لم تقوموا بما أعطيناكم من ظاهر دينكم الذي تعبدكم الله بالقيام به، فكيف ينبغي لنا أن نعطيكم من باطنه؟
25
ولعل هذه القاعة التي أشار إليها النعمان، والتي ألقى فيها هذا العلم الباطن، هي المكان نفسه الذي خصصه الفاطميون للدعوة وعرف باسم المحول ... فكان المحول في العصر الفاطمي أشبه شيء بقاعات المحاضرات العامة في عصرنا الحديث، وكان يؤم المحول الخاصة وشيوخ الدولة وخدم القصر والطارئون على مصر وعامة الناس،
26
وهكذا جعل الفاطميون جزءا من قصرهم للدعوة لمذهبهم، ومكانا يلقي فيه العلماء والدعاة علوم أهل البيت، وهي المجالس التي عرفت بمجالس الحكمة التأويلية. ولم يكتف الأئمة الفاطميون بأن يكون المحول في قصرهم، بل نراهم يهتمون اهتماما خاصا بمكتبة القصر، حتى عدت هذه المكتبة من مفاخر الفاطميين، فقد تميزت عن جميع مكتبات العالم الإسلامي في ذلك الوقت، ويقول المقريزي نقلا عن ابن أبي طي بعد ما ذكر استيلاء صلاح الدين الأيوبي على القصر: «ومن جملة ما باعوه خزانة الكتب، وكانت من عجائب الدنيا، ويقال إنه لم يكن في جميع بلاد الإسلام دار كتب أعظم من التي كانت بالقاهرة في القصر، ومن عجائبها أنه كان فيها ألف ومائتا نسخة من تاريخ الطبري، إلى غير ذلك. ويقال: إنها كانت تشتمل على ألف وستمائة ألف كتاب.»
27
ويقول المقريزي: ومما يؤيد ذلك أن القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي لما أنشأ المدرسة الفاضلية بالقاهرة، جعل فيها من كتب القصر مائة ألف مجلد.
ناپیژندل شوی مخ