وفي سنة 250ه أخرج هذا الوالي ستة رجال من الطالبيين إلى العراق، وفي رجب من السنة التالية أخرج ثمانية منهم،
11
وكانت هذه السياسة التعسفية سببا في أن ينضم أحد العلويين وهو عبد الله بن أحمد بن محمد المعروف بابن الأرقط، إلى ثورة جابر المدلجي سنة 252ه، وقوي الثائرون بانضمامه إليهم، وزاد عددهم فهزموا جيش الوالي الذي استعان بالخليفة العباسي فأمده الجيش بقيادة مزاحم بن خاقان فأخمدت الثورة، واستأمن ابن الأرقط العلوي فأخرج من مصر.
12
وفي سنة 254ه ثار بغا الأكبر وهو أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن طباطبا، ولكنه هزم وقتل، وفي سنة 255ه في ولاية أحمد بن طولون خرج بغا الأصغر وهو أحمد بن محمد بن عبد الله بن طباطبا، وانتشرت دعوته في الإسكندرية وبرقة والصعيد ولكنه قتل، وفي هذه السنة أيضا خرج بمصر ابن الصوفي وهو إبراهيم بن محمد بن يحيى من نسل عمر بن أبي طالب، واستمر ثائرا يحارب ابن طولون أربع سنوات إلى أن هزم، فاضطر إلى أن يهرب إلى مكة سنة 259ه.
وكانت المصائب التي صبها الجند من السودان على الشيعة بمصر أضعاف ما نال الشيعة من اضطهاد الولاة، فقد كثر عدد السودان في مصر واستفحل أمرهم، فأصبحوا مصدر فتن بين أهل السنة والشيعة، ففي سنة 350ه خرج شيعة مصر إلى قبر كلثوم بنت القاسم بن محمد بن جعفر الصادق، وأقاموا هناك مأتم الحسين، فتدخل الجند واضطربت الأمور بين الجند والشيعة، وقتل جماعة من الفريقين، فلم يكتف الجند من السودان بذلك بل ساروا في الطرقات يصيحون: معاوية خال علي! حتى إنهم كانوا يصيحون بنقيب الأشراف الحسنيين أبي جعفر مسلم، ويهتفون بذلك في وجهه،
13
ولما ورد الخبر بقيام بني الحسن بمكة ومحاربتهم الحاج، خرج خلق من المصريين، ولقوا كافورا الأخشيدي بالميدان، وصاحوا: معاوية خال علي! وسألوه أن يبعث جيشا لمحاربة بني الحسن.
14
وهكذا كان حال الشيعة في مصر، فقد أصابهم ما أصاب غيرهم في الأقطار الإسلامية من اضطهاد العباسيين ونقمتهم، وهذه الأمثلة التي أوردنا بعضها إن دلت على شيء فإنما تدل على أن التشيع بدأ يدخل مصر، بل أخذ يقوى ويشتد أزره، وأصبح الشيعة يؤثرون في الحياة العامة بمصر، ويقومون بثورات ضد الولاة. أضف إلى ذلك أن مصر في هذا العصر شاهدت عددا من العلماء الذين كانوا يفضلون عليا على الشيخين، ويخلصون في حبهم لأهل البيت، ولعل الشافعي أصدق مثل لذلك، ففي شعره ما يدل على عاطفة مخلصة قوية لأهل البيت، فهو يقول:
ناپیژندل شوی مخ