ولقد كانت القرون الثمانية التي تفصل بين القديس توما (حوالي 1225-1274م) وبين القديس أوغسطين، تمثل البداية والنهاية التقريبية لفلسفة العصور الوسطى. والواقع أن من المستحيل فصل الفلسفة عن اللاهوت في العصور الوسطى؛ إذ إن المفكرين المدرسيين قد استنفدوا طاقاتهم في تشييد مذاهب استدلالية منطقية تؤدي إلى البرهنة بطريقة استنباطية واستقرائية على وجود الله وألوهيته. ولقد اختلف الموقف الفلسفي لكل من أوغسطين وتوما، وهما العملاقان العقليان لهذه الفترة، في المسائل النظرية. أما في الموسيقى فلم يكن هناك اختلاف بين آرائهما. وقد شارك القديس توما رأي أوغسطين القائل إن علم الموسيقى مبني على مبادئ تحددها الرياضيات «وعلى ذلك فكما أن الموسيقى تقبل سلطة المبادئ التي يلقننا إياها علم الحساب، فكذلك يقبل العلم المقدس المبادئ التي يوحي بها الله.»
18
وعلى الرغم من أن الفلاسفة الكاثوليك كانوا يعلمون أن «العهد القديم» تضمن وصفا لموسيقى الآلات وللغناء، فقد اتجهوا إلى الربط بين الآلات والطقوس الوثنية واللذات الجسدية، بل إن الفلاسفة الكاثوليك والأشد تمسكا بعقيدتهم قد أضفوا على الآلات الموسيقية دلالة رمزية؛ فقد نظر القديس أوغسطين إلى الطبلة والسنطور (
psaltery ) على أنها تذكر المرء بجسد المسيح مشدودا على الصليب «فالجلد يشد على الطبل، والوتر يشد على السنطور، وفي كلتا الحالتين يصلب البدن».
19
وهكذا لم يكن في وسع القديس أوغسطين أن ينظر إلى هاتين الآلتين بنفس الروح المرحة التي نظر بها إليهما العبرانيون، والتي تدل عليها هذه الآية في «العهد القديم»: «فليغنوا لله مزمورا بالطبل والسنطور.»
ولقد كان فلاسفة العصور الوسطى المسيحيون الذين تحدثنا عنهم أعضاء في الكنيسة بصفة رسمية أو بأخرى . ولآرائهم في الموسيقى أهمية عظمى بالنسبة إلينا اليوم؛ فآباء الكنيسة قد وضعوا بالفعل معيارا للقيم بالنسبة إلى الموسيقى الدينية كان مبنيا على الفلسفة اليونانية واللاهوت العبراني، وهما التياران اللذان تبلورا في كتابات القديس أوغسطين. وقد أسهم الفلاسفة المسيحيون في معرفتنا بالموسيقى، بما تركوه لنا من أوصاف وتقديرات لمعنى الموسيقى وطبيعتها في عصرهم. أما فلاسفة الرومان فقد احتفظوا بآراء اليونانيين في صورتها الأصلية، ولم يعدلوا الفلسفات اليونانية في الموسيقى وفقا للحاجات الدينية، كما فعل آباء الكنيسة الأوائل. وقد لخص أرستيدس كونتليانوس
Aristides Quintilianus
الفلسفات الموسيقية التي كانت تعلم في الأكاديمية الأفلاطونية واللوقيوم (الليسيه) الأرسطي، وحاول بويتيوس أن يقوم ب «التوفيق بين آراء أرسطو وأفلاطون إلى حد ما». وقد كان للفلاسفة المسيحيين والرومان معا تأثيرهم في مجرى الفلسفة الجمالية للموسيقى؛ إذ إنهم لخصوا الفلسفات الموسيقية للحضارة الهلينية السابقة عليهم، وقدروا هذه الموسيقى وعدلوها وفقا لحاجات الإنسان الغربي. وسواء قبلنا تقديرهم للموسيقى التي ورثوها من اليونان القديمة وطريقتهم في استخدامها أم رفضناهما، فإن حقيقة الأمر هي أنهم أعطونا مجموعة من المبادئ الجمالية لا تزال الكنيسة والدولة تتخذها أساسا ضروريا للحكم على الموسيقى في أيامنا هذه.
القسم الخامس: الدراما الشعائرية
ناپیژندل شوی مخ