Francesco Cavalli (1602-1676م) ومعه مارك أنطونيو تشيسي
Marc Antonio Cesti (1620-1669م)، وكان مونتيفردي قد تعمد حفظ التوازن بين الموسيقى وبين النص الشعري لأوبراته. أما هذان المؤلفان الموسيقيان التاليان له، فقد زادا من اهتمامهما بالموسيقى وقللا من اهتمامهما بنص الأوبرات. وكان للتقدير الذي لقيه كافالي وتشيستي في الأوساط الموسيقية في فينسيا تأثيره السريع في مركز الأوبرا ذاتها في تلك المدينة الإيطالية؛ ذلك لأن تأكيدهما أهمية الموسيقى فوق النص الشعري أدى إلى إضعافهما للعنصر الدرامي في أوبرات فينسيا، مما أخل بالتوازن الذي بذل مونتيفردي جهدا كبيرا في حفظه بين الكلمات واللحن، على عكس جماعة الكاميراتا التي أكدت النص على حساب اللحن.
وقد استحدث تشيستي وكافالي ما بدا لهما أنه أوبرا قائمة على استقلال اللحن، ولكن هذه قد تحولت بمضي الوقت إلى أسلوب من الاستعراض الغنائي كاد أن يقضي على تكامل القالب الأوبراتي. ولا بد أن تشيستي كان مغرما بالموسيقى الغنائية؛ إذ يقال عنه إنه أول من أدخل أسلوب الغناء الزخرفي
bel canto
بفقراته الطويلة المتصلة وأنغامه التي تشنف الآذان، وذلك نتيجة للطريقة التي كان يؤلف بها الفواصل الغنائية المطولة داخل الأوبرا. وقد امتد التأثير الذي مارسه تشيستي وكافالي على الأوبرا في فينسيا، إلى جميع أرجاء أوروبا.
ولقد أدت الروح الديمقراطية التي سادت دار الأوبرا في فينسيا إلى نتائج تتجاوز مجرد دعوة من يملكون ثمن الدخول لحضور الأوبرا بأسلوب كافالي وتشيستي؛ فليس المهم أن نعرف الأسباب الأساسية التي دعت المشرفين على هذه الدار إلى فتح أبوابها للجمهور، وإنما المهم حقا أن فتح الأبواب للجمهور كان يعني بداية انقضاء عهد الأوبرا بوصفها عرضا مقتصرا على القصور وأهلها، واستهلال عهد جديد أصبحت فيه الأوبرا أحب الفنون الموسيقية إلى قلوب الجماهير.
9
ولقد كانت أوبرا فينسيا تعني نهاية أليمة لآمال جماعة الكاميراتا وأمانيهم في قيام أوبرا مبنية على الأفكار الجمالية للمسرح اليوناني؛ فقد نبذت المثل العليا لهذه الجماعة، وأصبحت الأوبرا في فينسيا نوعا من الحل الوسط من الوجهة الفنية، فصارت تهتم أيضا بإرضاء نزعات الترف والرغبة في الترفيه. ولم يعد النص يدور حول شخصيات، وإنما حول أنماط، وقد أطلق موسيقيو فينسيا على دراماتهم الموسيقية اسم الأوبرا الجادة
Opera Seria ، غير أن هذه تسمية غير منطبقة؛ إذ إن الأوبرا نادرا ما كانت تنتهي نهاية محزنة، وإنما كان الجمهور يطالب بنهاية سعيدة. كذلك ضربت أوبرا فينسيا عرض الحائط بالوحدات الثلاث المعروفة في المسرح اليوناني؛ إذ إن كثيرا من هذه الأوبرات كانت أقصر من أن يمكن الانتفاع منها عمليا؛ ولذلك عمد مديرو المسرح إلى إقحام فواصل لإطالة مدة العرض. وكانت الألحان زخرفية إلى حد بعيد، ولم يكن في وسع أحد سوى كبار المغنين من «الخصيان
castrati » أن يحكم أداء السطور اللحنية التي قد ترهق العازف الموسيقي البارع.
ناپیژندل شوی مخ