مقدمة المحقق
مؤلف الكتاب:
محمد بن شاكر بن أحمد بن عبد الرحمن بن شاكر بن هارون بن شاكر الملقب بصلاح الدين (١): داراني المولد دمشقي الدار، سمع من ابن الشحنة والمزي وغيرهما من علماء بلده، ولكنه حصل أكثر ثقافته - فيما يبدو - عن طريق الوراقة والمتاجرة بالكتب، وقد كان شديد الفقر قبل أن يجد الحرفة الملائمة، فلما غدا كتبيًا توفر له من عمله مال طائل. وربما كانت جودة خطه ووضوحه، وذلك الاتقان في الوراقة جملة (كما تدل على ذلك نسخة الفوات بخطه) مما كفل له إقبال الناس على ما ينسخه من كتب، وكسب له حسن المعاملة في التجارة مزيدًا من ذلك الإقبال، فقد وصف بأنه كان ذا مروءة في معاملته للناس؛ كذلك كان يذاكر بعض معارفه ويفيد، غير أنه لم يشتهر بين معاصريه بثقافته، وإن وصف نفسه في مقدمة الفوات بإكتاره من مطالعة كتب التاريخ، ولم ينل من عمق الثقافة ودقة الحكم ما ناله مشهورو الوراقين أمثال أبي حيان التوحيدي وياقوت الحموي، بل ظلت ثقافته تقميشًا وتنسيقًا. ويبدو لمن يطلع على نسخة الفوات أن الرجل كان لا يكترث كثيرًا بمراعاة الأصول النحوية واللغوية، وربما كانت معرفته بالنحو واللغة بسيطة ساذجة، وهذا يبدو واضحًا إذا قارناه بمؤلفي كتب التراجم من معاصريه، فهم يميلون - في الأغلب - إلى استعمال أسلوب مبسط فيه كثير من طبيعة الحديث الدارج، ولكنهم لا يبلغون في ذلك مبلغ ابن شاكر.
ولا نعرف على وجه قاطع متى ولد ابن شاكر؛ وفي إحدى نسخ الدرر الكامنة أن ذلك كان عام ٦٨٦، وهو تاريخ غير مستبعد، إلا أننا نعرف على
_________
(١) أصل المعلومات عنه عند ابن كثير، البداية والنهاية ١٤: ٣٠٢ - ٣٠٣ وترجم له ابن حجر ترجمة موجزة في الدرر الكامنة ٤: ٧١ ونقلت تلك الترجمة بنصها في الشذرات ٦: ٢٠٣؛ وانظر كشف الظنون ٢: ١١٨٥ حيث يذكر أن لقبه " فخر الدين "، وهدية العارفين ٢: ١٦٣.
1 / 1
وجه اليقين أنه عاش حتى شهر رمضان سنة ٧٦٤؛ يقول ابن كثير: " وفي يوم السبت الحادي عشر من رمضان من العام المذكور صلينا بعد الظهر على الشيخ محمد بن شاكر الكتبي " (١) وبعد شهر، وفي ١٠ شوال ٧٦٤ على التحديد، توفي معاصره الشيخ صلاح الدين الصفدي.
مؤلفات الكتبي:
١ - عيون التواريخ: ذكر حاجي خليفة أنه في ست مجلدات، وقال صاحب هدية العارفين إنه في ٢٨ مجلدًا، وإليه أشار ابن كثير حين قال: وجمع تاريخًا مفيدًا نحوًا من عشر مجلدات ولعل الاختلاف في عدد أجزاء الكتاب راجع إلى تفاوت في طبيعة النسخة التي اطلع عليها كل واحد منهم، وفي مكتبات استانبول عدة نماذج من نسخ هذا الكتاب، تشير إلى هذا التفاوت في التجزئة.
٢ - روضة الأزهار في حديقة الأشعار، ذكره صاحب هدية العارفين.
٣ - فوات الوفيات والذيل عليها.
كتاب فوات الوفيات:
يستفاد من المقدمة القصيرة التي صدر بها الكتبي كتابه هذا أنه قام يجمعه وترتيبه بعد أن أطلع على وفيات الأعيان لابن خلكان فوجد أنه لم يذكر أحدًا من الخلفاء وأنه أخل بتراجم بعض فضلاء زمانه وجماعة ممن تقدم على أوانه، فأحب أن يستدرك عليه ما فاته ويذيل على كتابه؛ وفي ذكر هذه الغاية على هذا النحو شيء من المغالطة، فان ابن خلكان قد صرح بأنه لا ينوي أن يترجم للخلفاء، وأنه لن يدرج في كتابه إلا من عرف سنة وفاته، ولم يكن إغفاله الكثيرين «لذهول عنهم أو لأنه لم تقع له ترجمة أحد منهم» كما يدعي الكتبي، وإنما جرى ذلك خضوعًا لمنهج محدد.
ويتراءى لي أن مؤلف الفوات وجد أمامه كتاب الصفدي «الوافي بالوفيات» فاختار منه عددًا من التراجم (ربما لم تزد على ستمائة)، وجعل مصنفه الجديد
_________
(١) تصفحت هذه اللفظة في المطبوعة فأصبحت " الليثي ".
1 / 2
في أربعة مجلدات، وتولى ما ينقله ببعض الاختصار، ولم يزد شيئًا في المعلومات التاريخية والأخبارية، وإنما زاد في بعض المختارات الشعرية، وأكثر منها بشكل واضح في بعض التراجم (١)؛ وحاول حقًا إلا يكرر ما أورده ابن خلكان من تراجم، إلا أن ذلك لم يكن مطردًا دائمًا.
ويبدو أن الكتبي كان يصنع كتبه بالاتكاء على مؤلفات معاصريه من مؤلفي الموسوعات، فقد ذكر حاجي خليفة أيضًا أنه في «عيون التواريخ» يتتبع في الغالب ابن كثير، «ولا سيما في الحوادث، وكثيرًا ما ينقل منه صفحة فأكثر بحروفه» .
متى ألف الكتبي كتاب الفوات؟: في آخر نسخة الفوات التي كتبها المؤلف أن العمل قد تم سنة ٧٥٣؛ إن هذا التاريخ إن لم يكن تاريخًا لتأليف الكتاب فإنه يعد تاريخ الصورة النهائية التي اعتمدها مؤلفه وارتضاها (٢)، وربما أنه يتكيء على الصفدي في ما نقله، فإن هذا التاريخ يشير إلى أن الصفدي نفسه كان قد انتهى من تأليف كتابه قبل ذلك العام.
تحقيق كتاب الفوات:
لم يكن في نيتي أن أعيد النظر في هذا الكتاب لإيماني بأن التوفير على نشر ما يزال مطويًا من التراث أجدى من إعادة تحقيق ما قد نشر، وخاصة وأني كنت أجد المطبوعات وافية بالمطلولب (٣)، حتى اطلعت على نسخة منه بخط
_________
(١) عرضت الفوات على نسخة من «تجريد الوافي» فوجدت التراجم مشتركة بين الكتابين وتؤكد الأجزاء المطبوعة من الوافي (١ - ٩) مدى اعتماد الكتبي على الصفدي.
(٢) ربما كان الإختلاف الذي سأشير إليه فيما يلي بين المطبوعة والمخطوطة ناجمًا عن قيام المؤلف بالتعديلات على مر الزمن في كتابه، كما فعل ابن خلكان، وإن كنت استبعد هذه المقايسة، لأن المؤلف لا يتعدى الصفدي بينما جمع ابن خلكان مادته من عشرات المصادر
(٣) أشير هنا إلى الطبعة التي صدرت بعناية الشيخ محيي الدين عبد الحميد ﵀، في جزءين كبيرين (القاهرة ١٩٥١) فقد بذل فيها جهدًا طيبًا، معتمدًا على طبعتين صدرتا في مصر قبل ذلك. وقد اشار في مقدمته إلى اتكاء ابن شاكر على الصفدي.
1 / 3
المؤلف محفوظة بمكتبة أحمد الثالث (طوبقبو سراي)، فوجدت لدى المقارنة أن المطبوعات صورة غير دقيقة من «الفوات» لعدة أسباب منها:
(١) أن ترتيب التراجم فيها مضطرب - وخاصة في حرف الهمزة - ولذلك اختلط بعض التراجم معًا، وبتر بعضها من جراء هذا الاضطراب في الترتيب.
(٢) أن معظم التراجم في المطبوعة يمثل صورة موجزة جدًا، حذف منها الكثير مما قيده المؤلف من أخبار أو اختاره من أشعار.
(٣) أن عشرات التراجم سقطت من المطبوعات.
(٤) أن اللغة التي استعملها الكتبي في كتابه قد غيرت في كثير من المواطن لتصبح أقرب إلى الصحة وأخضعت لقواعد النحو، وأن بعض العبارات التركية والفارسية قد حذفت ووضع في مكانها عبارات عربية.
(٥) أن بعض التراجم قد دست في الفوات منقولة حرفيًا عن ابن خلكان مثل ترجمة السيدة نفيسة وابن الشجري والبديع الاصطرلابي وابن القطان وواصل بن عطاء ووثيمة بن الفرات (رقم ٤٧٣ - ٤٧٩ في طبعة الشيخ محيي الدين عبد الحميد) ولا وجود لها في الأصل الذي ارتضاه المؤلف.
لكل ذلك قمت بتحقيق جديد لهذا الكتاب، معتمدًا على نسختين:
(١) نسخة مكتبة أحمد الثالث باستانبول رقم ٢٩٢١ (ورمزت لها بالحرف ص لأنها أصل هام)، وهي تقع في أربعة أجزاء، بخط المؤلف، إلا أن الجزء الثالث منها مفقود، وعدد أوراقها موزعة على الأجزاء الباقية كما يلي: الجزء الأول في ١٩٠ ورقة؛ الجزء الثاني في ١٨٩ ورقة؛ الجزء الرابع في ١٨٠ ورقة؛ وجاء في آخر الجزء الرابع: «تم المجموع المسمى بفوات الوفيات والذيل عليها في العشر الأول من المحرم سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة من الهجرة النبوية» . والأجزاء الثلاثة الباقية كتبت
1 / 4
كلها بخط واحد نسخي جميل واضح مشكول شكلًا جزيئًا، وفي الصفحة الواحدة ١٧ سطرًا ومعدل الكلمات في السطر الواحد ١١ كلمة. وعلى الجزء الرابع تملكات مختلفة، من أقدمها: «استوعب هذا المجلد المبارك مطالعة العبد الفقير إلى الله تعالى يحيى بن عجلان بن محمد الطائي المكي (١) ... في أحد شهور سنة ٨٨١» .
(٢) نسخة في مكتبة الصديق العلامة الأستاذ محمد زهير الشاويش (ورمزها: ر) وتقع في ١٤٠ ورقة، في الصفحة الواحدة منها ٢١ سطرًا، ومعدل الكلمات في السطر الواحد ١٢ كلمة، وخطها نسخي واضح جميل مقارب كثيرًا لخط النسخة السابقة، حتى ليمكن أن تعد النسختان لدى النظرة العجلى بخط ناسخ واحد. وهي نسخة قديمة أيضًا ولا بد، إذ جاء على الورقة الأولى منها أنها «للخزانة العالية المولوية المخدومية الأميرية الكبيرية الناصرية ابن فضل الله، عمرها الله ببقائه آمين» . وعلى الورقة نفسها أنها «الجزء الثاني من كتاب الفوات»، ولكنها في شكلها الحالي مجموعة من الأوراق قد اضطرب ترتيبها واختل، بسقوط أوراق كثيرة في عدة مواطن منها؛ وتمثل التراجم الباقية منها جانبًا من الجزء الثاني وجانبًا من الجزء الثالث حسب قسمة النسخة (ص) .
وقد كان لهذه النسخة قيمة كبيرة في التحقيق، وخاصة لأنها تسد مسد جانب من الجزء الثالث المفقود. ولما كان الجزء الثالث يتضمن عددًا كبيرًا من تراجم المحمدين، فقد كان عرضه على الأجزاء الأربعة الأولى من كتاب الوافي المطبوع (وهي تضم تراجم المحمدين) وعلى مخطوطة عقود الجمان للزركشي (وهي صورة أخرى من الفوات مع اختلاف قليلة) مما ييسر
_________
(١) لا شك في أنه هو الذي ترجم له السخاوي في الضوء اللامع ١٠: ٢٣٥ وقال إنه يعرف بابن الشريفة، حفظ القرآن والمناهج وسافر إلى الحبشة والهند والقاهرة والشام للاسترزاق، وكان ينفق ما يدخل عليه أولًا فأولا، ويقال له الطائي نسبة لجدٍ له اسمه طي. إلا أن السخاوي ذكر أنه مات بالقاهرة في طاعون سنة ٨٧٣. وقد كان الطاعون حقًا في ذلك العام (انظر ابن أياس ٣: ٢٦ وما بعدها) فإما أن السخاوي أخطأ في تاريخ الوفاة، وإما أن ابن عجلان وهم في تقييد التاريخ المذكور (بدلًا من ٨٧١ مثلًا) .
1 / 5
الاطمئنان إلى النص، ولكني لا أستطيع أن أجزم إن كان الجزء الثالث المفقود يحتوي تراجم لم ترد في مطبوعات الفوات.
وقد اتبعت في تحقيق هذا الكتاب منهجًا أحب توضيحه فيما يلي:
(١) ذهبت إلى اعتبار الصفدي والزركشي صورتين مشابهتين أو ماربتين لهذا الكتاب فقارنته بهما مقارنة دقيقة، ثم عرضت كل ترجمة على المصادر الأخرى، وأثبت هذه المصادر مجتمعة في الحاشية؛ وقد تعمدت في الجزء الأول أن أذكر كتاب الصفدي اعتمادًا على «تجريد الوافي» لأقدم نموذجًا يشير إلى مدى الاتفاق في التراجم بين الكتابين، ولكني لم أشر إلى الصفدي في الأجزاء التالية إلا إذا كانت الترجمة موجودة في الأجزاء المطبوعة منه.
(٢) حرصت على إبقاء النص كما ورد في نسخة المؤلف، إلا حيث كان الخطأ اللغوي أو النحوي مما يمس رواية شعر قديم، أو يتصل بشخصٍ لم يعرف عنه التساهل في اللغة والنحو، فصوبت المتن، وأشرت إلى نص الأصل في الخاشية. أما ما كان أسلوبًا حواريًا أو إخباريًا يمثل اللغة الدارجة في القرنين السابع والثامن - على وجه الخصوص - فقد أبقيته في المتن على حاله دوت تغيير.
(٣) بينت في كل موضع أن كانت الترجمة مما لم يرد في المطبوعات، كما أشرت بشكل عام إلى ما حذف من بعض التراجم، ليتكون لدى القارئ صورة واضحة عن مدى العلاقة بين المطبوعات ونسخة المؤلف.
(٤) حذفت التراجم الدخيلة التي وردت في المطبوعة.
(٥) اقتصرت في الشرح على تفسير بعض الألفاظ الاصطلاحية، وبعض الغريب، ولم أحاول التوسع في الشرح والتخريج.
هذا وأني أتقدم بجزيل الشكر إلى الصديق الأستاذ محمد زهير الشاويش الذي أعارني نسخته الأصلية من هذا الكتاب، وسمح لي باستخدامها في التحقيق وكل ما أرجوه أن تكون هذه المحاولة ذات نفع في خدمة العلم، والله الموفق.
بيروت في (أيلول) سبتمبر ١٩٧٣. إحسان عباس
1 / 6
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر واختم بخير
أحمد الله على نعمه التي جلَّت مواقع ديمها، وعمَّت فوائد كرمها، وأشكره على مننه التي جادت رياض التحقيق من سحب الأفكار بمنسجمها، فأظهرت أزاهر المعاني التي انثرت (١) فأشرق الكون بتبسُّمها، الذي حكم بالموت على عباده إظهارًا لبدائع قدرته وحكمها، وأسعد وأشقى فيا فوز فرقة نقل الرواة ما سلف من محاسن شيمها. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة، يقترن بالخلود ذكرها، ويتجدد في كل يوم فخرها، وينسدل على هفوات الإنسان سترُها. وأشهد أن سيدنا محمدًا (٢) عبده ورسوله الذي قلد بدرر محاسنه الأعناق " وبعثه على حين فترة من الرسل متممًا لمكارم الأخلاق " (٣) وجعل شمس شريعته الغراء دائمة الإشراق. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين جملوا بذكر محاسنهم السير، وذهبوا وصف مفاخرهم الآصال والبُكر، ما دوّنت الأقلام ذكر الأفاضل، وجلَت الكتب على أسماع الأواخر ذكر الأوائل، وسلم.
وبعد، فإنّ علم التاريخ هو مرآة الزمان لمن تدبر، ومشكاة أنوار يطلع بها على تجارب الأمم مَن أمعن النظر وتفكر، وكنت ممن أكثر لكتبه المطالعة، واستحلى من فوائده المطالعة والمراجعة، فلما وقفت على كتاب " وفيات الأعيان "
_________
(١) كذا في ص، ولعلها " افترت " كما هي في المطبوعة.
(٢) ص: محمد.
(٣) سقطت من ص.
1 / 1
لفاضي القضاة ابن خلكان، قدس الله روحه، وجدته من أحسنها وضعًا لما اشتمل عليه من الفوائد الغزيرة، والمحاسن الكثيرة، غير أنه لم يذكر أحدًا (١) من الخلفاء، ورأيته قد أخلَّ بتراجم بعض فضلاء زمانه، وجماعة ممن تقدم على أوانه، ولم أعلم أذلك لذهول (٢) عنهم، أو لم يقع له ترجمة أحد منهم.
فأحببت أن أجمع كتابًا يتضمن ذكر مَن لم يذكره من الأئمة الخلفاء، والسادة الفضلاء أذيل فيه من حين وفاته إلى الآن، فاستخرت الله تعالى، فشرح لذلك صدري، وتوكلت عليه وفوضت إليه أمري. ووسمته ب؟ " فوات الوفيات ".
والله تعالى المسئول أن يوفق في القول والعمل، وأن يتجاوز عن هفوات الخطأ والخطل.
_________
(١) ص: أحد.
(٢) ص: لذهولا.
1 / 2
حرف الهمزة
1 / 11
فراغ
1 / 12
١ - (١)
إبراهيم بن أدهم
إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر، أبو إسحاق العجلي وقيل النخعي البلخي الواعظ أحد الأعلام (٢)، روى عن أبيه ومنصور ومحمد بن زياد الجمحي وأبي جعفر الباقر ومالك بن دينار وأبي نعيم وأبي موسى (٣) والأعمش.
قال الفضل بن موسى: حج أدهم إبراهيم وهي حبلى، فولدت إبراهيم بمكة، فجعلت تطوف به على الحلق في المسجد وتقول: ادعوا لابني أن يجعله الله صالحًا.
وأخباره مشهورة في مبتدإ زهده، وطريقه مشهورة. قيل غزا في البحر مع أصحابه، فاختلف في الليلة التي مات فيها إلى الخلاء خمسًا (٤) وعشرين مرة، كل مرة يجدد الوضوء، فلما أحس بالموت قال: أوتروا لي قوسي، وتوفي وهي (٥) في كفه، ودفن في جزيرة من جزائر البحر في بلاد الروم (٦) .
قال إبراهيم بن يسار الصوفي: كنت مارًا مع إبراهيم بن أدهم، فأتينا على قبر مسنم، فترحم عليه إبراهيم، ثم قال: هذا قبر حميد بن جابر أمير هذه المدن كلها، كان غارقًا في بحار الدنيا ثم أخرجه الله منها، بلغني أنه سرّ ذات
_________
(١) هي من الترجمات المزيدة في وفيات الأعيان ١: ٣١ وانظر أيضًا تهذيب ابن عساكر ٢: ١٦٧ وكتاب التوابين: ١٤٩ وحلية الأولياء ٧: ٣٦٨، ٨: ٣ والبداية والنهاية ١٠: ١٣٥ وشرح المقامات ٢: ٨٢ وعبر الذهبي ١: ٢٣٨ والوافي ٥ رقم: ٣١٨ وطبقات السلمي: ١٣.
(٢) في المطبوعة: العجلي النخبة الأجل الفاضل ملك الأعلام.
(٣) لم يرد هذا في ص.
(٤) ص: خمسة.
(٥) ص: وهو.
(٦) بهامش ص تعليق: ليس في جزيرة بل هو في الساحل قريبًا من طرابلس.
1 / 13
يوم بشيء، نام، فرأى رجلًا بيده كتاب، فناوله ففتحه فإذا فيه مكتوب بالذهب: لا تؤثرن فانيًا على باق (١)، ولا تفرحن بملكك، فإن ما أنت فيه جسيم، إلا أنه عديم، فسارع إلى الآخرة، فإن الله تعالى يقول " وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربَّكم وجنَّةً عرضها السموات والأرض أعدَّت للمتقين " آل عمران: فانتبه فزعًا، وقال: هذا تنبيه من الله تعالى وموعظة، فخرج من ملكه فأتى هذا الجبل وعبد الله فيه حتى مات.
وقال: رأيت في النوم كأن قائلًا يقول لي: أيحسن بالحر المريد، أن يتذلل للعبيد، وهو يجد عند الله كل ما يريد؟
وقال النسائي: إبراهيم أحد الزهاد، وهو مأمون ثقة. وقال الدارقطني: ثقة. وقال البخاري: مات سنة إحدى وستين ومائة، وسيرته في تاريخ دمشق ثلاث وثلاثون ورقة وهي طويلة في حلية الأولياء، رحمه الله تعالى.
٢ - (٢)
إبراهيم الحربي
إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم، الفقيه أبو إسحاق الحربي أحد الأئمة الأعلام؛ ولد سنة ثمان وتسعين ومائة، وتفقه على الإمام أحمد بن حنبل، وكان من نجباء أصحابه، روى عنه ابن صاعد وابن السماك.
قال الخطيب: كان إمامًا في العلم، رأسًا في الزهد، عارفًا بالفقه، بصيرًا
_________
(١) ص: باقيًا.
(٢) ترجمة الحربي في معجم الأدباء ١: ١١٢ وتاريخ بغداد ٦: ٢٧ وصفة الصفوة ٢: ٢٢٨ والوافي ٥: ٣٢٠ وطبقات أبي يعلى ١: ٨٦ وتذكرة الحفاظ: ٥٨٤ وثمة دراسة مطولة عنه في مقدمة كتاب المناسك من تحقيق الشيخ حمد الجاسر.
1 / 14
بالأحكام، حافظًا للحديث، مميزًا لعلله، قيمًا بالأدب، صنف غريب الحديث وكتبًا كثيرة. وحدث عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: كان أبي يقول لي: امض إلى إبراهيم الحربي يلقي عليك الفرائض.
وأنشده رجل:
أنكرت ذلّي فأيّ شيء ... أحسن من ذلّة المحبّ (١)؟
أليس شوقي وفيض دمعي ... وضعف جسمي شهود حبّي فقال إبراهيم: هؤلاء شهود ثقات.
قال إبراهيم: ما أنشدت شيئًا من الشعر إلا قرأت " قل هو الله أحد " ثلاث مرات.
قال ياقوت في كتاب معجم الأدباء (٢): قد كان إسماعيل بن إسحاق القاضي يشتهي رؤية إبراهيم الحربي، وكان إبراهيم لا يدخل عليه، ويقول لا أدخل دارًا عليها بواب، فأخبر إسماعيل بذلك، فقال: أنا أدع بابي كبابة (٣) الجامع، فجاء إبراهيم إليه، فلما دخل عليه خلع نعليه، فلفهما القاضي (٤) في منديل دبيقي وجعلهما في كمه، وجرى بينهما بحث كثير، فلما قام إبراهيم التمس نعليه، فأخرج القاضي النعل من كمه، فقال إبراهيم: غفر الله لك كما أكرمت العلم؛ فلما مات القاضي رؤي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال أجيبت فيّ دعوة إبراهيم الحربي.
ودخل عليه قوم يعودونه، فقالوا: كيف تجدك يا أبا إسحاق؟ فقال: أجدني كما قال (٥):
_________
(١) بعد هذا السطر وقع خرم في ص ضاعت بسببه ورقات.
(٢) معجم الأدباء ١: ١٢٥.
(٣) ياقوت: كباب.
(٤) هو أبو عمر محمد بن يوسف القاضي.
(٥) هو أبو نواس، انظر تاريخ بغداد ٧: ٤٤٨.
1 / 15
دبّ فيّ السّقام سفلًا وعلوا ... وأراني أذوب عضوا فعضوا
بليت جدّتي بطاعة نفسي ... وتذكرت طاعة الله نضوا وقال ياقوت: حدثني صديقنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود بن النجار قال: حدثني أحمد بن سعيد الصباغ يرفعه إلى أبي نعيم قال: كان يحضر مجلس إبراهيم الحربي جماعة من الشبان للقراءة عليه، ففقد أحدهم، فسأل عنه من حضر، فقالوا: هو مشغول، ثم سألهم يومًا آخر، فقالوا: هو مشغول، وكان الشاب قد ابتلي بمحبة شخص شغله عن الحضور، وعظموا قدر إبراهيم الحربي أن يخبروه بحقيقة الحال، فلما تكرر منه السؤال عنه وهم لا يزيدون على أنه مشغول قال: يا قوم إن كان مريضًا قوموا بنا لنعوده، وإن كان مديونًا اجتهدنا في مساعدته، أو محبوسًا سعينا في خلاصه، فخبروني عن جلية حاله، فقالوا: نجلك عن ذلك، فقال: لا بد أن تخبروني، فقالوا: إنه ابتلي بعشق صبي، فوجم إبراهيم ساعة، ثم قال: هذا الصبي الذي ابتلي بعشقه أهو مليح أم قبيح؟ فعجب القوم من سؤاله عن مثل ذلك مع جلالته في أنفسهم، وقالوا: أيها الشيخ مثلك يسأل عن مثل هذا؟ فقال: إنه بلغني أن الإنسان إذا ابتلي بحب صورة قبيحة كان بلاءً تجب الاستعاذة من مثله، وإن كان مليحًا كان ابتلاء يجب الصبر عليه واحتمال المشقة، قال: فعجبنا مما أتى به.
ومن مصنفاته كتاب سجود القرآن. مناسك الحج. الهدايا والسنة فيها. الحمام وآدابه. مسند أبي بكر ﵁. مسند عثمان ﵁. مسند علي ﵁. مسند الزبير ﵁. مسند طلحة ﵁. مسند سعد بن أبي وقاص ﵁. مسند عبد الرحمن بن عوف ﵁. مسند العباس ﵁. مسند شيبة بن عثمان. مسند عبد الله بن جعفر. مسند المسور بن مخرمة. مسند المطلب بن ربيعة. مسند السائب. مسند خالد بن الوليد. مسند أبي عبيدة بن الجراح. مسند ما روي عن عاصم بن عمر. مسند
1 / 16
صفوان بن أمية. مسند عمرو بن العاص. مسند عمران بن حصين. مسند حكيم بن حزام. مسند عبد الله بن زمعة. مسند عبد الرحمن بن سمرة. مسند عبد الله بن عمرو. مسند ابن عمر.
وكان أصل إبراهيم الحربي من مرو، توفي لسبع بقين من ذي الحجة سنة خمس وثمانين ومائتين، ﵀.
٣ - (١)
المتقي لله
إبراهيم بن جعفر، أمير المؤمنين المتقي لله ابن المقتدر ابن المعتضد؛ ولد سنة سبع وتسعين ومائتين، واستخلف سنة تسعين وعشرين وثلثمائة بعد أخيه الراضي، فوليها إلى سنة ثلاث وثلاثين، ثم خلعوه وسملوا عينيه، وبقي في قيد الحياة، وكان حسن الجسم مشربًا بحمرة أبيض أشقر الشعر أشهل العينين، وكان فيه دين وصلاح، وكثرة صلاة وصيام، وكان لا يشرب الخمر.
وتوفي في السجن سنة سبع وخمسين وثلثمائة، رحمه الله تعالى. وكانت مدته سنتين (٢) وأحد عشر شهرًا، وكانت أيامه منغصة عليه لاضطراب الأتراك، حتى إنه أتى إلى الرقة، فلقيه الإخشيد صاحب مصر وأهدى له تحفًا كثيرة وتوجع لما ناله من الأتراك، ورغبه في أن يسير معه إلى مصر فقال: كيف أقيم في زاوية من الدنيا وأترك العراق متوسطة الدنيا وسرتها، ومستقر الخلافة وينبوعها؟ ثم سار حتى قدم بغداد، بعد أن خاطبه أمير الأتراك توزون، وحلف له أن لا
_________
(١) راجع المصادر التاريخية كالكامل لابن الأثير ... الخ وانظر الروحي: ٦٢ والفخري: ٢٥٤ وتاريخ الخلفاء للسيوطي: ٤٢٤ ونكت الهميان: ٨٧ والوافي ٥: ٣٤١.
(٢) الوافي: ثلاث سنين.
1 / 17
يغدر به، وزينت له بغداد زينة يضرب بها المثل، وضربت له القباب العظيمة العجيبة في طريقه، فلما وصل السندية على نهر عيسى قبض عليه توزون، وسمل عينيه، وبايع المستكفي من ساعته، ودخل بغداد في تلك الزينة فكثر تعجب الناس من ذلك، وقال المتقي:
كحلونا وما شكو ... نا إليهم من الرّمد
ثم عاثوا بنا ونح؟ ...؟ ن أسودٌ وهم نقد (١)
كيف يغترّ من أذا ... نا وفي دستنا قعد ٤ (٢)
جمال الدين بن النجار
إبراهيم بن سليمان بن حمزة بن خليفة، جمال الدين بن النجار الدمشقي المجود. ولد بدمشق سنة تسع وخمسمائة وتوفي سنة إحدى وخمسين وستمائة، رحمه الله تعالى. وحدث وكتب في الإجازات، وكتب عليه أبناء البلد، وله نظم وأدب، وسافر إلى حلب وبغداد، وكتب للأمجد صاحب بعلبك، وسافر إلى الاسكندرية وتولى نقابة الأشراف بها، وسمع بدمشق من التاج الكندي وغيره.
ومن شعره ما قاله في أسود شائب:
يا ربّ أسود شائب أبصرته ... وكأنّ عينيه لظىً وقّاد
فحسبته فحمًا بدت في بعضه ... نارٌ وباقيه عليه رماد
_________
(١) النقد: صغار الغنم.
(٢) الشذرات ٥: ٢٥٣ والزركشي ١: ١١ والوافي ٥: ٣٥٦ وعقود الجمان لابن الشعار ١: ٤٠ والمنهل الصافي ١: ٥٠.
1 / 18
وله أيضًا:
ما لهذي العيون قاتلها الل؟ ...؟ هـ تسمّى لواحظًا وهي نبل
ولهذا الذي يسمونه العش؟ ... ق مجازًا وفي الحقيقة قتل؟؟
ولقلبي يقول أسلو فإن قل؟ ... ت نعم قال لست والله أسلو وله أيضًا:
ومغرمٍ بالبدال قلت له ... يا ولدي قد وقعت في التعب
طورًا على الرّاحتين منبطحًا ... وتارة جاثيًا على الركب
دخلٌ وخرجٌ وليس بينهما ... في اليد من فضة ولا ذهبِ (١)
أيسر ما فيه أن مسلكه ... تأمن فيه من عين مرتقب
وعندنا قهوةٌ معتّقةٌ ... كأنّ في كأسها سنا لهب
ومن بنات القيان مخطفةٌ ... تغار منها الأغصان في الكثب
ومطربٌ يحسن الغناء لنا ... إن كنت ممن يقول بالطرب
ولست تخلو مع كل ذلك من ... عمود أير كالزّند منتصب
ينطح نطح الكباش متصلًا ... بطول رهزٍ كالخرز في القربِ وله أيضًا:
لقد نبتت في صحن خدّك لحية ... تأنّق فيها صانع الإنس والجنّ
وما كنت محتاجًا إلى حسن نبتها ... ولكنها زادتك حسنًا إلى حسن
_________
(١) ابتداء من هذا البيت ينتهي الخرم في ص.
1 / 19
٥ - (١)
ابن سهل الإسلامي
إبراهيم بن سهل الإسرائيلي؛ قال ابن الأبار في تحفة القادم (٢): كان من الأدباء الأذكياء الشعراء، مات غريقًا مع ابن خلاص (٣) والي سبتة سنة تسع وأربعين وستمائة، وكان سنه نحو الأربعين أو ما فوقها، وكان قد أسلم وقرأ القرآن، وكتب لابن خلاص بسبتة فكان من أمره ما كان.
قال أثير الدين أبو حيان: هو إبراهيم بن سهل الإشبيلي الإسلامي، أديب ماهر، دون شعره في مجلد، وكان يهوديًا فأسلم، وله قصيدة مدح بها رسول الله ﷺ قبل أن يسلم، وأكثر شعره في صبي يهودي كان يهواه، وكان يقرأ مع المسلمين ويخالطهم.
قلت: والقصيدة النبوية على حرف العين، ذكرها ابن الأبار في ترجمة المذكور.
وكان يهوى يهوديًا اسمه موسى فتركه، وهو شابًا اسمه محمد، فقيل له في ذلك فقال:
تركت هوى موسى لحبّ محمّد ... ولولا هدى الرحمن ما كنت أهتدي
وما عن قلىً منّي تركت وإنما ... شريعة موسى عطّلت بمحمّدٍ
_________
(١) انظر مقدمة كتبتها على ديوانه (ط: صادر، بيروت ١٩٦٧) وفيها ثبت بأهم المصادر التي تعرضت لذكره، وانظر الزركشي ١: ١٢ والوافي ٦: ٥.
(٢) ليس له ترجمة في المقتضب من تحقة القادم.
(٣) يعني محمد بن الحسن بن خلاص، وكان الحسن أبوه والي سبتة وقد بعث ابنه في سفينة إلى حضرة تونس ومعه هدية، فغرقت السفينة، وانظر مقدمة ديوان ابن سهل: ٣٨ - ٤٢ ففيها مناقشة لهذه الرواية ومن ثم لتاريخ وفاته.
1 / 20
قال الشيخ أثير الدين: أخبرنا قاضي الجماعة قال: نظم الهيثم (١) قصيدة يمدح بها المتوكل على الله محمد بن يوسف بن هود ملك الأندلس، وكانت أعلامه سوداء لأنه كان بايع الخليفة ببغداد، فوقف إبراهيم بن سهل على قصيدة الهيثم وهو ينشدها لبعض أصحابه، وكان إبراهيم إذ ذاك صغيرًا، فقال إبراهيم للهيثم: زد بين البيت الفلاني والبيت الفلاني:
أعلامه السود إعلامًا بسؤدده ... كأنهنّ بخدّ الملك خيلانُ فقال له الهيثم: هذا البيت ترويه أم نظمته؟ قال: بل نظمته الساعة، فقال الهيثم: إن عاش هذا ليكونن (٢) أشعر أهل الأندلس.
والقصيدة التي مدح بها النبي ﷺ (٣):
وركبٍ دعتهم نحو طيبة نية ... فما وجدت إلاّ مطيعًا وسامعا
يسابق وخد العيس ماء شؤونهم ... فيقفون بالسوق المدى والمدامعا
إذا انعطفوا أو رجّعوا الذكر خلتهم ... غصونًا لدانًا أو حمامًا (٤) سواجعا
تضيء من التقوى حنايا صدورهم ... وقد لبسوا اللّيل البهيم مدارعا
تكاد مناجاة النبيّ محمّدٍ ... تنمّ بهم مسكاّ على الشم ذائعا
تلاقى على ورد اليقين قلوبهم ... خوافق يذكرن القطا والمشارعا
قلوبٌ عرفن الحقّ فهي قد انطوت ... عليها جنوبٌ ما عرفن المضاجعا
سقوا دمعهم غرس الأسى في ثرى الجوى ... فأنبت أزهار الشحوب الفواقعا
تساقوا لبان الصدق محضًا بعزمهم ... وحرّم تفريطي عليّ المراضعا
_________
(١) هو أبو المتوكل الهيثم بن أحمد بن أبي غالب بن الهيثم الإشبيلي، كان شاعرًا مشهورًا بالحفظ والارتجال، قتل سنة ٦٣١ (انظر اختصار القدح: ١٥٨ والمغرب ١: ٢٥٨ وصفحات متفرقة من نفح الطيب) .
(٢) ص: فيكون.
(٣) ديوانه: ٢٣٢.
(٤) ص: حمام.
1 / 21
وهي طويلة؛ ومن شعره (١):
سل في الظلام أخاك البدر عن سهري ... تدري النجوم كما تدري الورى خبري
أبيت أسجع بالشكوى وأشرب من ... دمعي وأنشق ريّا ذكرك العطر
حتى أخيّل أني شاربٌ ثملٌ ... بين الرياض وبين الكأس والوتر
بعض المحاسن يهوى بعضها عجبًا ... تأملوا كيف هام الغنج بالخفر
إن تقصني فنفارٌ جاء من رشإٍ ... أو تضنني (٢) فمحاقٌ جاء من قمر وله أيضًا (٣):
ردّوا على طرفي النوم الذي سلبا ... وخبروني بقلبي أيّةً ذهبا
علمت لما رضيت الحبّ منزلة ... أن المنام على عينيّ قد غضبا
فقلت (٤) واحربا والصمت أجدر بي ... قد يغضب الحبّ إن ناديت واحربا
إني له عن دمي المسفوك معتذرٌ ... قول حملته في سفكه تعبا
نفسي تلذّ الأسى فيه وتألفه ... هل تعملون لنفسي في الجوى نسبا
قالوا عهدناك من أهل الرشاد فما ... أغواك؟ قلت اطلبوا في لحظه السببا
من صاغه الله من ماء الحياة وقد ... جرت بقيّته في ثغره شنبا
يا غائبًا مقلتي تهمي لفرقته ... والقطر إن حجبت شمس الضحى انسكبا
كم ليلةٍ بتّها والنجم يشهد لي ... رهين شوقٍ إذا غالبته غلبا
مرددًا في الدجى لهفًا ولو نطقت ... نجومها ردّدت من حالتي عجبا
ماذا ترى في محبّ ما ذكرت له ... إلاّ بكى أو شكا أو حنّ أو طربا
يرى خيالك في الماء الزلال وما ... ذاق الشراب فيروى وهو ما شربا
_________
(١) ديوانه: ١٤٨.
(٢) ص: تطنني.
(٣) ديوانه: ٧٤.
(٤) ص: قلت.
1 / 22