. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الفواكه الدواني]
رَاضٍ فَلْيُكْثِرْ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ» .
وَقَالَ أَيْضًا ﵊: «أَكْثِرُوا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيَّ فَإِنَّهَا تَحُلُّ الْعُقَدَ وَتَكْشِفُ الْكَرْبَ» وَالْكَثْرَةُ كَمَا قَالَ بَعْضٌ أَقَلُّهَا ثَلَاثُمِائَةٍ وَفَضْلُهَا مَشْهُورٌ حَتَّى وَرَدَ أَنَّهَا أَمْحَقُ لِلذُّنُوبِ مِنْ الْمَاءِ الْبَارِدِ لِلنَّارِ، وَوَرَدَ «إنَّ السَّلَامَ عَلَيَّ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ الرِّقَابِ» وَحُكْمُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ الْوُجُوبُ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً وَكَذَلِكَ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ أَوْ سُنَّةٌ، وَمِمَّا هُوَ وَاجِبٌ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً الِاسْتِغْفَارُ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّعَوُّذُ وَالْحَوْقَلَةُ، هَكَذَا قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ أُمِّ الْبَرَاهِينِ، وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِوُرُودِ الْمَذْكُورَاتِ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ نَحْوُ: فَسَبِّحْ وَكَبِّرْ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ، وَيَتَأَكَّدُ الْحَثُّ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتَهَا لِأَنَّهَا فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَيَوْمِهَا أَفْضَلُ مِنْ نَفْسِهَا فِي غَيْرِهِمَا حَتَّى قِيلَ: إنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، كَمَا يَتَأَكَّدُ الْحَثُّ عَلَيْهَا عِنْدَ ذِكْرِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَفِي آخِرِ الدُّعَاءِ وَفِي آخِرِ الْكِتَابِ، وَلَكِنْ لَا يَحْصُلُ ثَوَابُهَا لِلْمُصَلِّي إلَّا إذَا قَالَهَا بِقَصْدِ الدُّعَاءِ وَالتَّحِيَّةِ، فَلَا يُثَابُ الْبَيَّاعُ عَلَيْهَا إذَا قَالَهَا لِيُعْجِبَ غَيْرَهُ مِنْ حُسْنِ بِضَاعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ قَوْلُهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، كَمَا تُكْرَهُ عِنْدَ الذَّبْحِ وَالْعُطَاسِ وَفِي الْحَمَّامِ وَالْخَلَاءِ وَعِنْدَ الْجِمَاعِ وَفِي الْمَوَاضِعِ الْقَذِرَةِ وَعِنْدَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، فَتَلَخَّصَ أَنَّهَا قَدْ تَجِبُ وَقَدْ تَحْرُمُ كَقَوْلِهِ عِنْدَ فِعْلٍ مُحَرَّمٍ، وَقَدْ تُكْرَهُ وَقَدْ تُسْتَحَبُّ وَلَا يَتَأَتَّى فِيهَا الْإِبَاحَةُ، وَثَبَتَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْقَلِيلَةِ لَفْظُ.
(قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ) كَتَبَهُ الْمُصَنِّفُ وَهِيَ جَائِزَةٌ لِمَنْ بَلَغَ دَرَجَةَ التَّعْظِيمِ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، وَلِإِشْعَارِهَا بِالتَّعْظِيمِ امْتَنَعَ تَكْنِيَةُ الْكَافِرِ الْمُبْتَدِعِ وَالْفَاسِقِ إلَّا إذَا لَمْ يُعْرَفْ إلَّا بِهَا، أَوْ خِيفَ مِنْ ذِكْرِهِ بِاسْمِهِ فِتْنَةٌ، فَقَدْ كُنِّيَ عَبْدُ الْعُزَّى بِأَبِي لَهَبٍ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِهَا أَوْ كَرَاهَةٌ فِي اسْمِهِ حَيْثُ جُعِلَ عَبْدُ الصَّنَمِ، وَكُنِّيَ إبْلِيسُ بِأَبِي مُرَّةَ وَبِأَبِي الْغِمْرِ وَبِأَبِي كُرْدُوسٍ وَعَلَمُهُ الْأَصْلُ قَبْلَ عِصْيَانِهِ عَزَازِيلُ، وَعَبَّرَ بِقَالَ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِ الْمَقُولِ نَحْوُ: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ، وَالْكَثِيرُ أَنَّهَا مِنْ وَضْعِ التَّلَامِذَةِ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ سَيَذْكُرُهَا فِي آخِرِ الْكِتَابِ، وَعَلَيْهِ فَالتَّعْبِيرُ يُقَالُ فِي مَحِلِّهِ وَلِذَلِكَ أَكْثَرُ النُّسَخِ عَلَى حَذْفِهَا هُنَا.
(عَبْدُ اللَّهِ) اسْمُ الْمُصَنِّفِ فَهُوَ بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ. (بْنُ أَبِي زَيْدٍ) بِحَذْفِ أَلْفِ ابْنِ وَرَفْعُهُ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِعَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي زَيْدٍ كُنْيَةٌ لِأَبِي الْمُصَنِّفِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَقِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بِلَالِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. (الْقَيْرَوَانِيُّ) بِالرَّفْعِ نَعْتٌ لِعَبْدِ اللَّهِ، وَالْقَيْرَوَانِيُّ نِسْبَةٌ لِلْقَيْرَوَانِ بَلْدَةٍ مَعْرُوفَةٍ بِالْمَغْرِبِ نُسِبَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهَا لِأَنَّهَا مَسْكَنُهُ وَمَوْلِدُهُ ﵁ سَنَةَ سِتَّ عَشَرَةَ وَثَلَثِمِائَةٍ، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ، فَعُمْرُهُ حِينَئِذٍ ثَمَانُونَ سَنَةً عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَمَنَاقِبُ الْمُصَنِّفِ كَثِيرَةٌ شَهِيرَةٌ مِنْهَا كَثْرَةُ حِفْظِهِ وَدِيَانَتُهُ وَكَمَالُ وَرَعِهِ وَزُهْدِهِ، وَكَانَ مِمَّنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِسَعَةِ الْمَالِ وَبَسْطَةِ الْيَدِ، وَيُقَالُ إنَّ مَنْ عَمِلَ بِكِتَابِهِ بَعْدَ قِرَاءَتِهِ يَجْمَعُ اللَّهُ فِيهِ مِنْ الْأَوْصَافِ الْحِسَانِ مَا كَانَ فِي الْمُصَنِّفِ أَوْ مُعْظَمِهَا، وَمِنْ أَعْظَمِ أَوْصَافِهِ عُلُوُّ سَنَدِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَرْوِي عَنْ سَحْنُونٍ بِوَاسِطَةٍ وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ بِوَاسِطَتَيْنِ وَعَنْ مَالِكٍ بِثَلَاثٍ، وَكَانَ يُعْرَفُ بِمَالِكٍ الصَّغِيرِ وَبِخَلِيفَةِ مَالِكٍ، وَكَانَ يُقَالُ فِيهِ قُطْبُ الْمَذْهَبِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُصَنِّفُ إمَامٌ عَظِيمٌ جَمَعَ فِي كِتَابِهِ هَذَا مَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ مَعْرِفَتُهُ مِنْ عَقَائِدِ الْإِيمَانِ وَأَحْكَامِ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَمِمَّا يُسَنُّ أَوْ يُنْدَبُ مِنْ الْآدَابِ، وَلَمَّا ابْتَدَأَ بِالْبَسْمَلَةِ ابْتِدَاءً حَقِيقِيًّا وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَسْبِقْهُ شَيْءٌ، ابْتَدَأَ بِالْحَمْدَلَةِ ابْتِدَاءً إضَافِيًّا وَهُوَ الَّذِي يَتَقَدَّمُ أَمَامَ الْمَقْصُودِ سَبَقَهُ شَيْءٌ أَمْ لَا فَقَالَ:
(الْحَمْدُ لِلَّهِ) أَيْ مَمْلُوكٌ وَمُسْتَحَقٌّ لِلَّهِ: وَلَمْ يَقُلْ لِلْخَالِقِ أَوْ الرَّازِقِ لِأَنَّ لَفْظَ الْجَلَالَةِ جَامِعٌ لِمَعَانِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، إذْ يُضَافُ إلَيْهِ غَيْرُهُ وَلَا يُضَافُ إلَى غَيْرِهِ، فَيُقَالُ الرَّحْمَنُ مَثَلًا اسْمُ اللَّهِ وَلَا يُقَالُ اللَّهُ اسْمُ الرَّحْمَنِ، وَأَيْضًا لِلْإِشَارَةِ إلَى اسْتِحْقَاقِهِ الْحَمْدَ لِذَاتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ الْحَمْدُ لِلْخَالِقِ أَوْ الرَّازِقِ لَتُوُهِّمَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ الْحَمْدَ إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ خَالِقًا أَوْ رَازِقًا، وَعَبَّرَ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ دُونَ الْفِعْلِيَّةِ كَحَمِدْتُ أَوْ نَحْمَدُ لِإِفَادَةِ الِاسْمِيَّةِ ثَلَاثَ فَوَائِدَ: الدَّلَالَةُ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْمَوْلَى الْحَمْدَ، وَلِشُمُولِ لَفْظِ الْحَمْدِ لِلْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ، وَصَيْرُورَةِ اللَّفْظِ مَحْضَ صِدْقٍ.
بَيَانُ الْأُولَى: أَنَّ حَمِدْتَ أَوْ نَحْمَدُهُ مَحْضُ إخْبَارٍ وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْمَوْلَى الْحَمْدَ لِفَقْدِ آلَةِ التَّعْرِيفِ.
وَبَيَانُ الثَّانِيَةِ: أَنَّ لَفْظَ حَمِدْت أَوْ نَحْمَدُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْحَادِثِ فَقَطْ، وَبَيَانُ الثَّالِثَةِ: أَنَّ حَمِدْت أَوْ نَحْمَدُ خَبَرٌ فَإِنْ صَدَرَ مِنْهُ فَهُوَ صِدْقٌ وَإِلَّا كَانَ كَذِبًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَهُوَ صِدْقٌ حَمِدَهُ أَوْ لَمْ يَحْمَدْهُ، وَاخْتُلِفَ فِي الْأَلْفِ وَاللَّامِ فِي الْحَمْدِ فَقِيلَ لِلْجِنْسِ وَيُعَبَّرُ عَنْهَا فَاللَّامُ الْحَقِيقَةِ، فَتُفِيدُ قَصْرَ الْحَمْدِ عَلَى اللَّهِ لِلْقَاعِدَةِ وَهِيَ أَنَّ الْمُبْتَدَأَ إذَا كَانَ مُعَرَّفًا فَاللَّامُ الْجِنْسِ يَكُونُ مَحْصُورًا فِي الْمُسْنَدِ وَعَكْسُهُ عَكْسُهُ، وَاخْتِصَاصُ الْجِنْسِ بِاَللَّهِ يُوجِبُ اخْتِصَاصَ جَمِيعِ أَفْرَادِ الْحَمْدِ لِلَّهِ.
وَقِيلَ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَقِيلَ لِلْعَهْدِ، وَمَعْنَى كَوْنِهَا لِلِاسْتِغْرَاقِ دَلَالَتُهَا عَلَى أَنَّ أَفْرَادَ الْمَحَامِدِ الْأَرْبَعَةِ وَهُمَا الْقَدِيمَانِ وَالْحَادِثَانِ لِلَّهِ، وَمَعْنَى كَوْنِهَا لِلْجِنْسِ دَلَالَتُهَا عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْمَوْلَى الْحَمْدَ الَّذِي هُوَ الثَّنَاءُ، لِأَنَّ الْحَمْدَ إنْ كَانَ قَدِيمًا فَهُوَ وَصْفُهُ وَإِنْ كَانَ حَادِثًا
1 / 9