ونَعْني به ما يَكون تَرْكه أَوْلَى، وهو القَدْر المشترك بين المُحَرَّم والمكروه) (^١). انتهى
فقولي: (وَالْأَرْجَحُ الَّذِي الْإمَامُ قَالَهْ) إشارة إلى النظر المذكور في "المكروه" و"خِلَاف الأَوْلَى"، وأنَّ الأرجح الذي قاله إمام الحرمين: إنَّ "المكروه" لا قبيح ولا حسن؛ لأن "القبيح" ما يُذم عليه، و"الحسَن" ما يُثْنَى عليه، وهو ليس كذلك فيهما.
ولذلك قال الشيخ تقي الدين السبكي: (لَمْ نَرَ أَحَدًا نعتمده خالفَ الإمام في هذا إلَّا أناسًا أدركناهم تعلقوا بإطلاق نحو البيضاوي (^٢) النَّهْيَ، وليس هذا التعلق بِأَوْلى مِن امتناع إمام الحرمين مِن ذلك) (^٣).
قلتُ: بل الغالب - كما سبق - في إطلاقِ النَّهْيِ التحريمُ؛ ولذلك حمل الأصفهاني كلام "المنهاج" [عليه] (^٤). نَعَم، كلام إمام الحرمين إنما هو مُفَرَّعٌ على تفسير الحسن والقبيح بما يُمدح فاعله أو يُذم شرعًا، وغَيْره علَّق القُبح بالنهي لا بالذم.
قِيل: وينبغي على قول الإمام ذلك في "المكروه" أنَّ "خِلَاف الأَوْلَى" كذلك، بل هو أَوْلى بأنْ يُنْفَى القُبح عنه مِن حيث إنَّ النهي فيه غَيْر مقصود.
قلتُ: وينبغي أنْ يَكون "المباح" أَوْلى منهما بأنْ لا يَكون حَسنًا ولا قبيحًا؛ لانتفاء الاقتضاء فيه. نعم، تمسكوا في كَوْنه حسنًا بقوله تعالى: ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: ٩٧]؛ لأنَّ أَفْعَل التفضيل يقتضي المشاركة. فإذَا جُوزوا على الأحسن وهو "الواجب" و"المندوب"، يبقى المباح حَسنًا، ولا جزاء فيه.
(^١) تشنيف المسامع (١/ ١٩١)، الناشر: مكتبة قرطبة، الطبعة الثانية - ٢٠٠٦ م.
(^٢) عبارة البيضاوي في "منهاج الوصول، ص ١٣٢": (ما نُهِيَ عنه شرعًا فَقَبيحٌ، وإلَّا فَحَسَنٌ).
(^٣) الإبهاج في شرح المنهاج (١/ ٦١ - ٦٢).
(^٤) ليس في (ش).