الثاني أجْوَدهما (وبه أجاب الشافعي في "الأُم"): أنه يجب المضيُّ في فاسد التطوع كواجِبه، فإتمامُ صحيحِ التطوعِ أَوْلَى.
عَلَى أنَّ هذا السؤال قد أُفْسِدَ مِن أَصْله بأنَّ الحج لا يمكن وقوعه تَطوعًا؛ فإنَّ [إقامة شعار البيت] (^١) مِن فروض الكفايات، وهي تَلْزم بالشروع (على الأصح).
نَعَم، قال الرافعي: (ينبغي أنْ تَكون العمرة كالحج، بل الاعتكاف والصلاة في المسجد الحرام كذلك، فإنَّ إحياء البقعة يحصُل به) (^٢).
وإنْ كان في "الروضة" قد تَعَقَّبه بما لا يلاقيه، فليُتأمَّل.
والعمرة كالحج في كل ما تَقدم كما أشار إليه الرافعي فيما ذكره مما سبق.
نَعَم، قِيل: لنا مسائل يجب فيها إتمامُ التطوع عندنا غير الحج والعمرة، منها ما قال بعضهم: الأضحية سُنة وتلزم بالشروع. وذكره الساجي في نصوص الشافعي.
قلتُ: إنْ أُرِيدَ بِلزوم الإتمام وجوبُ التصدق بشيء منها (وهو الظاهر)، فهذا إنما هو خارجٌ مَخْرَج الشروط، لا تتميم حقيقة. ونظيره استقبال القِبلة والستر في صلاة التطوع.
ومنها في "شرح الفروع" لأبي على السنجي أنَّ أبا زيد المروزي وبعض الأصحاب أوجبوا إتمام الطواف المندوب على مَن شرع فيه، وغَلَّطهما. وحَمَله بعضُهم على الطواف الواجب في الحج والعمرة المتطوع بهما؛ فرجع ذلك إلى مسألة إتمام الحج والعمرة التطوعين.
التنبيه الثاني: يُؤخَذ مِن كَوْنه "يُمدح فاعلُه" أنَّ المدح لا ينفك بخوف اعتقاد العامة وجوبه فيترك - كما قاله مالك ونقله الدارمي في "استذكاره" عن أبي إسحاق المروزي مِن أنَّ السُّنة قد يَكون تَرْكُها أَفْضَل لذلك، كقراءة الجمعة يوم الجمعة، ونحو ذلك.
(^١) كذا في (ز)، لكن في (ص، ت): إقامته شعار البيت فهو.
(^٢) العزيز شرح الوجيز (١١/ ٣٥٣).