تنبيهان
أحدهما: يُؤخذ مِن كَوْن المندوب لا ذَمَّ في تركه أنه إذَا شَرع فيه وتركه، لا يُذم؛ فلا يَكون إتمامُه واجبًا، وأنه لا فَرْق في تركه بين أنْ يَكون ابتداءً أو بَعْد الشروع. وخالف في ذلك أبو حنيفة ومالك، فأوجَبَا إتمامه بالشروع؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٣].
ولنا: أنَّ النبي ﷺ كان أحيانًا يَنْوي صوم التطوع ثم يفطر، أَخرجه [مسلم] (^١) وغيره (^٢)؛ فيُحمل النهي في الآية على التنزيه؛ جَمعًا بين الدليلين، هذا إنْ لم يُفَسَّر ﴿وَلَا تُبْطِلُوا﴾ بأنكم [تحبطوها] (^٣) [بِالرِّدَّة، بدليل الآية التي قَبْلها، أو أنَّ المراد] (^٤): ولا تُبْطلوها بالرياء. نقله ابن عبد البر عن أهل السُّنة، ونقل عن المعتزلة تفسيرها بمعنى: لا تبطلوها بالكبائر. لكن الظاهر تفسيره بما تَقدم.
واحتجَّ له أيضًا بحديث الأعرابي: "قال: هل عَلَيَّ غيرُها؟ قال له ﷺ: لا، إلَّا أنْ تطوَّع" (^٥). أَيْ: فَيلْزمك التطوع وإنْ كان تَطوعًا في أصله.
وعندنا: الاستثناءُ منقطع؛ بدليل أنَّ النبي ﷺ قد أَبْطَل تَطوعه كما سبق.
(^١) كذا في (ص، ت). لكن في (ز، ش، ق): النسائي.
(^٢) صحيح مسلم (رقم: ١١٥٤)، سنن النسائي الكبرى (رقم: ٢٦٣١).
(^٣) كذا في (ق، ت). لكن في (ز، ش): تخلصوها. وفي (ص): تخلصوها ولا تبطلوها.
(^٤) ليس في (ز).
(^٥) صحيح البخاري (رقم: ٤٦)، صحيح مسلم (رقم: ١١).