أَوْلى؛ لأنَّ لفظ "الوجوب" لا يحتمل غيرَه، بخلاف "الفَرْض" فإنَّه يحتمل معنى التقدير. عَلَى أنهم قد خالفوا ذلك في نحو جعل القَعْدة في الصلاة فرضًا ومسح رُبع الرأس فرضًا، والوضوء مِن الفصد فرضًا، والصلاة - على مَن بَلغ في الوقت بَعْدما أدَّاها - فرضًا، والعُشر في الأقوات وفيما دون خمسة أوسق، وشِبْه ذلك، وليس في شيء منها قَطْع.
وربما فَرَّقُوا بينهما - كما قاله الشيخ أبو حامد وابن بَرهان - بأنَّ "الفَرْض" ما لا خِلافَ فيه، و"الواجب" ما اختُلف فيه.
وحَكَى القاضي في "التقريب" وابن القشيري تَفْرقة أخرى: أَنَّ "الفرض" بِنَصِّ القرآن، و"الواجب" ما ثَبت بِغَير وَحْيٍ مُصَرَّحٍ به. وأَلْزَمَهم القاضي بأنْ لا يَكون الثابت بالسُّنة فَرْضًا (كَنِيَّة الصلاة وَدِيَة الأصابع والعاقلة)، وأنْ يَكون الإشهاد عند التبايع ونحوه مِن المندوب الثابت [بالقرآن] (^١) "فَرْضًا".
قلتُ: إلا أنْ يُراد ما ثَبت وجوبه؛ فلا يَرِد هذا الأخير.
أمَّا ما قاله أصحابنا في باب الحج: (إنَّ "الواجب" ما جُبر بِدَم، و"الركْن" ما لم يُجْبر) فتفرقة بين الركن والواجب، لا بين الفرض والواجب.
وكذلك ما حَكَى الرافعي عن العبَّادي فيمن قال: (الطلاق واجِبٌ عَلَيَّ) تطلق، أو: (فَرْضٌ عَلَيَّ) لا تطلق - ليس لعدم ترادفهما، بل لاقتضاء العُرف ذلك. ونقل عن البوشنجي أنَّ الجميع كنايات إلَّا: "لَازِمٌ لِي"؛ فإنه صريح عند الأكثر، فلا إشكال فيه حينئذ.
ومنها أيضًا: "اللازِم" [مِن اللزوم] (^٢)، وهو لُغَةً: عدم الانفكاك عن الشيء. فيقال
(^١) في جميع النُّسخ: (بالسنة). والتصويب من: التقريب والإرشاد (١/ ٢٩٨) للقاضي الباقلاني.
(^٢) كذا في (ص)، لكن في (ز): والملزوم.