والجوابُ عنه. وقَوَّى بعضُهم ذلك، وأنَّ المراد أنَّ الكراهة لها مَرْتَبتان، أَدْوَنهما "خِلَاف الأَوْلى".
وإنْ لَمْ يَكُن في الخطاب اقتضاءٌ، بل فيه تخيير بين فِعل الشيء وتَركه فهو "الإباحة". مأخوذ مِن مادة الاتساع، ومنه: باحةُ الدار، أَيْ: ساحتها.
واعْلَم أنَّ الإباحة تُطْلق أيضًا على رَفْع الحَرَج، فيدخل في المباح ما كان مِن فِعل الله وفِعل غير المكلَّف، لكن لا [يَكون] (^١) مِن الحُكم إلا ما فيه الإذن. ولِأَجْل هذا اختُلِف في أنَّ: الإباحة حُكمٌ شرعي؟ [أَمْ] (^٢) لا؟ فقال بعض المعتزلة بالثاني؛ لتفسيره بِنَفْي الحرج، فالخلاف إذًا لفظي.
واختُلف أيضًا في أنَّ الإباحة تكليف، والقول به منقول عن الأستاذ أبي إسحاق، لكن على معنى التكليف باعتقاد إباحته. ولا يَخْفَى ما فيه؛ فإنَّ الاعتقاد واجب، فهو غَيْر الإباحة.
واختُلف أيضًا في "المباح": هل هو مأمورٌ به (بناء على أنَّ الأمر حقيقة في الإذْن لا في الوجوب ولا في الندب)؟ وستأتي المسألة.
وقولي: (وَقَدْ يُقَيَّدُ) إلى آخِره - إشارة إلى أنَّ "الكراهة" تُطْلق على "التحريم" أيضًا إمَّا مع الإضافة إليه فَيُقال: "كراهة تحريم"، وإمَّا على الإطلاق كما في قوله تعالى: ﴿كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا﴾ [الإسراء: ٣٨]
ويقع هذا في كلام الشافعي ومالك والأقدمين كثيرًا، كقول الشافعي: (وأَكْره آنِيَةَ
(^١) في (ت، ض): يلزم.
(^٢) كذا في (ز)، لكن في (ص): أو.