حُكْمه، فإنْ صَحَّ، فَهُم آثمون على جُملة أفعالهم، وهذا عامٌّ في الكِتَابِيِّين وغَيْرهم. وهو مما لَمْ أَرَهُ لِغَيْري، وفيه عندي تَوَقُّف) (^١). انتهى
وبالجُملة فَفِي المسألة مذاهب:
أَصَحُّها أنَّ الكفار مخاطَبون بِفروع الشرع مُطْلَقًا، وهو معنى قولي: (فَجَائِزٌ وَوَاقِعٌ)؛ وذلك لِوُرُود الآيات الشاملة لهم، نحو: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ [البقرة: ٢١]، ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا﴾ [الحج: ١]، ﴿يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ﴾ [الزمر: ١٦]، ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: ٤٣]، ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ [البقرة: ١٨٣]، ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ [آل عمران: ٩٧]، وغير ذلك مما لا ينحصر.
والكُفر غَيْر مانع؛ لإمكان إزالته، كالأمر بالكتابة والقَلَم حاضر يمكنه تناوله.
وأيضًا فَقَدْ وَرَد الوعيد على ذلك أو ما يتضمنه، نحو: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ﴾ [المدثر: ٤٢] الآية، وذم قوم شعيب بِنقص المكيال، وقوم لوط بإتيان الذكور، وقوم هود بشدة البطش، مع ذَم الكل بالكُفر، وقد قال تعالى بَعْد ذِكْر قَتْل النفس والزنا: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾ [الفرقان: ٦٨].
وأَوضح مِن ذلك: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ﴾ [النحل: ٨٨]، أَيْ: فوق عذاب الكُفر، وذلك إنما هو على بقية عبادات الشرع.
وهذا القول نَصَّ عليه الشافعي في مواضع مِن "الأُم"، فقال في باب "حَجِّ الصبي يَبْلُغ والمملوك يُعْتَق والذِّمِّي يُسْلِم" فيما إذَا أَهَلَّ كافرٌ بِحجٍّ (^٢)، ثُمَّ أَسْلَم قَبْل عرفة، فَجَدَّد
(^١) الإبهاج في شرح المنهاج (١/ ١٨٦).
(^٢) في هذا الموضع في (ص) كُتِب في هامشه: (ثم جامع). ولا ذِكْر لذلك في سائر النُّسخ. وعبارة الشافعي في "الأُم، ٢/ ١٣٠": (وَلَوْ أَهَلَّ ذِمِّيٌّ أَوْ كَافِرٌ مَا كَانَ هَذَا بِحَجٍّ ثُمَّ جَامَعَ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ عَرَفَةَ =