يتصوّر غيرَة الْمُزَاحمَة عَلَيْهِ بل هُوَ حسد والغيرة المحمودة فِي حَقه أَن يغار الْمُحب على محبته لَهُ أَن يصرفهَا إِلَى غَيره أَو يغار عَلَيْهَا أَن يطلع عَلَيْهَا الْغَيْر فيفسدها عَلَيْهِ أَو يغار على أَعماله أَن يكون فِيهَا شَيْء لغير محبوبه أَو يغار عَلَيْهَا أَن يشوبها مَا يكره محبوبه من رِيَاء أَو إعجاب أَو محبَّة لإشراف غَيره عَلَيْهَا أَو غيبته عَن شُهُود منته عَلَيْهِ فِيهَا
وَبِالْجُمْلَةِ فغيرته تَقْتَضِي أَن تكون أَحْوَاله وأعماله وأفعاله كلهَا لله وَكَذَلِكَ يغار على أوقاته أَن يذهب مِنْهَا وَقت فِي غير رضى محبوبه فَهَذِهِ الْغيرَة من جِهَة العَبْد وَهِي غيرَة من المزاحم لَهُ المعوق الْقَاطِع لَهُ عَن مرضاة محبوبه وَأما غيرَة محبوبه عَلَيْهِ فَهِيَ كَرَاهِيَة أَن ينْصَرف قلبه عَن محبته إِلَى محبَّة غَيره بِحَيْثُ يُشَارِكهُ فِي حبه وَلِهَذَا كَانَت غيرَة الله أَن يَأْتِي العَبْد ماحرم عَلَيْهِ وَلأَجل غيرته سُبْحَانَهُ حرّم الْفَاحِشَة مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطنِ لِأَن الْخلق عبيده وإماؤه فَهُوَ يغار على إمائه كَمَا يغار السَّيِّد على جواريه وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى ويغار على عبيده أَن تكون محبتهم لغيره بِحَيْثُ تحملهم تِلْكَ الْمحبَّة على عشق الصُّور ونيل الْفَاحِشَة مِنْهَا
من عظم وقار الله فِي قلبه أَن يعصيه وقّره الله فِي قُلُوب الْخلق أَن يذلّوه إِذا علقت شروش الْمعرفَة فِي أَرض الْقلب نَبتَت فِيهِ شَجَرَة الْمحبَّة فَإِذا تمكّنت وقويت أثمرت الطَّاعَة فَلَا تزَال الشَّجَرَة تؤتي أكلهَا كل حِين باذن الله رَبِّهَا أول منَازِل الْقَوْم اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بكرَة وَأَصِيلا وأوسطها هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى والنور وَآخِرهَا تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يلقونه سَلام أَرض الْفطْرَة رحبة قَابِلَة لما يغْرس فِيهَا فَإِن غرست شَجَرَة الْإِيمَان وَالتَّقوى أورثت حلاوة الْأَبَد وَإِن غرست شَجَرَة الْجَهْل والهوى فَكل الثَّمر من ارْجع إِلَى الله واطلبه من عَيْنك وسمعك وقلبك وَلِسَانك وَلَا تشرد عَنهُ من هَذِه الْأَرْبَعَة فَمَا رَجَعَ من رَجَعَ إِلَيْهِ بتوفيقه إِلَّا مِنْهَا وَمَا شرد من شرد عَنهُ بخذلانه إِلَّا مِنْهَا فالموفق يسمع ويبصر ويتكلّم ويبطش بمولاه والمخذول يصدر ذَلِك عَنهُ بِنَفسِهِ وهواه
1 / 34