فاطمه زهرا او فاطمیان
فاطمة الزهراء والفاطميون
ژانرونه
وعلى ذكر أبي العلاء واعتقاد الناس في أسرار الحكمة وقوتها الخفية ننقل ما رواه ابن الوردي حيث ذكر في تاريخه: «إن حساده أغروا به وزير حلب فجهز لإحضاره خمسين فارسا ليقتله، فأنزلهم أبو العلاء في مجلس له بالمعرة، واجتمع بنو عمه وتألموا لذلك، فقال: إن لي ربا يمنعني، ثم قال كلاما منه ما لا يفهم، وقال: الضيوف الضيوف. الوزير الوزير. فوقع المجلس على الخمسين فارسا فماتوا، ووقع الحمام على الوزير بحلب فمات، فمن الناس من زعم أنه قتلهم بدعائه وتهجده، ومنهم من زعم أنه قتلهم بسحره ورصده.»
وروى صاحب الكوكب الثاقب هذه القصة بزيادة تفصيل فذكر عن الغزالي أنه قال: «حدثني يوسف بن علي بأرض الهركار قال: دخلت معرة النعمان وقد وشى وزير محمود بن صالح صاحب حلب إليه بأن المعري زنديق لا يرى إفساد الصور، ويزعم أن الرسالة تحصل بصفاء العقل، فأمر محمود بحمله إليه من المعرة، وبعث خمسين فارسا ليحملوه، فأنزلهم أبو العلاء دار الضيافة، فدخل عليه عمه مسلم بن سليمان وقال له: يا ابن أخي! قد نزلت بنا هذه الحادثة، والملك محمود يطلبك، فإن منعناك عجزنا وإن أسلمناك كان عارا علينا عند ذوي الذمام ويركب تنوخ الذل والعار، فقال: هون عليك يا عم ولا بأس عليك، فلي سلطان يذب عني. ثم قام فاغتسل وصلى إلى نصف الليل، ثم قال لغلامه: انظر إلى المريخ أين هو؟» فقال: في منزلة كذا وكذا، فقال: زنه واضرب تحته وتدا، وشد في رجلي خيطا واربطه إلى الوتد، ففعل غلامه ذلك، فسمعناه وهو يقول: يا قديم الأزل! يا علة العلل! يا صانع المخلوقات! وموجد الموجودات! أنا في عزك الذي لا يرام وكنفك الذي لا يضام، الضيوف الضيوف. الوزير الوزير. ثم ذكر كلمات لا تفهم، وإذا بهدة عظيمة، فسأل عنها فقيل: وقعت الدار على الضيوف الذين كانوا بها فقتلت الخمسين، وعند طلوع الشمس وقعت بطاقة من حلب على جناح طائر ألا تزعجوا الشيخ فقد وقع الحمام على الوزير. قال يوسف بن علي: فلما شاهدت ذلك دخلت على المعري فقال: من أين أنت؟ فقلت: من أرض الهركار. فقال: زعموا أنني زنديق، ثم قال: اكتب. وأملي علي أبياتا من قصيدة أولها:
أستغفر الله في أمني وأوجالي
من غفلتي وتوالي سوء أعمالي
3
هذه الحالة النفسية التي عمت أرجاء العالم الإسلامي في القرن الرابع خاصة خليقة أن ينجم فيها عشرات ممن يستهوون الناس بالأسرار الباطنة؛ لأن عالم الباطن مستودع كل أمنية وبغية كل طالب: طالب الدين وطالب الدنيا، طالب المعرفة وطالب السحر والعيافة،
4
أو طالب العلم الأبيض وطالب العلم الأسود، وخليق أن يقف النظر طويلا عند قول داعي الدعاة أنه يطلب سرا من أبي العلاء ، وأنه قام في نفسه أن عند أبي العلاء «من حقائق دين الله سرا قد أسبل عليه من التقية سترا». فإنه قد يكون في هذا القول مادحا أو مازحا ولكنه أبان عن سمة العصر كله من «الباطنية» التي يفرضها على نفسه العارف بأسرار الدين.
وأخلق من هذا أن يستوقف النظر أن هذا الكلام صادر من داعي الدعاة في الدولة الفاطمية، وهو الرجل الذي ينتهي إليه كل سر، ويصل إليه التلميذ بعد درجات ليسمع منه - فيما زعم الزاعمون - أن الدين لغو، وأن القيامة وهم، وأن المحرمات مستباحة للعارفين، فلو كانت هذه رسالته التي ينتهي إليها كل متقدم في درجات الأسرار فما حاجته إلى محاسبة أبي العلاء على الظنون التي تذاع عنه في أمر الحلال والحرام وأمر البعث والحساب؟ لقد كان الرضى عن مذاهب الزندقة جميعا أولى به من التعرض لذويها ومحاسبتهم عليها، فإنهم يتبرعون بما يجتهد له ويرتب المراتب ويحتال الحيل للوصول إليه بعد طول العناء.
إلا أن الخلاصة الثابتة في ذلك العصر أن «الباطنية» الواقعية حالة من الحالات التي لا تستغرب من دعاته المخلصين وأدعيائه المغرضين، فهناك «باطنية» يفرضها الناس على أنفسهم قبل أن يفرضها عليهم نظام مقرر أو مذهب منظم، وادعاء الأسرار في تلك البيئة أمر منتظر مترقب لا غرابة فيه، وأقرب ما يكون هذا الادعاء إلى من يطلب المنفعة لنفسه أو يطلب المكانة بما يعمله ويتعلمه منه غيره، وفاقا لشرطه وتدبيره.
ناپیژندل شوی مخ