وذلك ان الجند لما دخلوها
استولوا على الدور ونزلوها. وركز كل منهم بيرقه على دار، وقال صاحبها كيف يصح المقام مع الأسد في غابة ولا مقام على زار.
وكان السلطان جعل للفقيه (عيسى الهكاري) كل ما يتعلق بالداوية من منازل وضياع، ومواضع ورباع، فأخذها بما فيها من غلال ومتاع. ووهب عكاء لولده الملك الأفضل، فأجراها من نظره على الأحسن الأجمل ودخلناها يوم الجمعة مستهل جمادى الأولى فأقمنا بها الجمعة، ووصلنا فريضتها المنقطعة. وأعدنا الكنيسة العظمى مسجدا جامعا، وعاد نور الهدى الخافي بالضلالة لامعا.
وحضر القاضي الأجل الفاضل فأمر بترتيب القبلة والمنبر، وتبسم بميامنه للإسلام بعد الإظلام سني الصبح المسفر. وخطب (جمال الدين عبد اللطيف ابن الشيخ أبي النجيب السهروردي) فإنه تولى بها القضاء والخطابة، وملأنا بعد الذئاب بالاساد السادة تلك الغابة. وخلى سكان البلد دورهم، ومخزونهم ومذخورهم. وتركوها لمن أخذها، ونبذوا ما حووه لمن حواها وما نبذها.
وافتقر من الفرنج أغنياء، واستغنى من أجنادنا فقراء. ولو دخرت تلك الحواصل، وحصلت تلك الذخائر، وجمع لبيت المال ذلك المال المجموع الوافر؛ لكان عدة ليوم الشدائد، وعمدة لنجح المقاصد فرتعت في خضرائها بل صفرائها وبيضائها سروج الأطماع، وطال لمستحليها ومستحلها الإمتاع بذلك المتاع.
وأقام السلطان بباب عكاء على التل مخيما، وعلى فتح سائر بلاد الساحل مصمما، لمملكتها متمما. وكان قد كتب إلى أخيه الملك العادل (سيف الدين أبي بكر) - وهو بمصر بما أتاحه الله من النصر، وقيضه له من افتاض الفتح البكر. فوصلت البشرى بوصوله باشرا، وللزاء الحمد ناشرا ولاستفتاح ما في طريقه من الحصون مباشرا. وأنه فتح حصن مجدل يابا ومدينة يافا عنوة، واغتنمها غزوة، وتسلمها حظوة. فقصده من عساكرنا القصاد، ووفد إليه من عندنا الوفاد. فحباهم بالحباء
من السبايا، وآتاهم المرباع والصفايا، وخصهم من الحاصل بالنقود ووعدهم مما سيحصل بالنسايا.
وشرع يستضيف حصنا فحصنا، ويستفيض حسنى وحسنا. ويستزيد يبدا، ويستزير مددا. ويستنزل من الكفر يدا، ويستميل إلى الهدى هدى. والدين بسيف سيفه منصور، والإسلام بنصر ناصره مسرور والملك العادل مالك بعدله، سالك نهج النجع بفضله. فائز العزيمة، حائز الغنيمة، ماضي الضريبة، قاضي الكتيبة. ميمون النقيبة، مأمول الرغيبة.
1 / 55