والفرنج قد صفوا راياتهم بصفورية. ولووا الألوية، ومدوا على مدود الضوامر الزواخر قناطر القنطاريات، وأوقدوا في ظلام القتام الثائر سرج السريجيات. وصوبوا إلى صوب قرا الأقران نياب اليزنيات. وأحاطوا حول مراكزهم بدوائرهم، وحاطوا بواترهم بواترهم. وجمعوا الاوشاب والأوباش، ورتبوا الجيش وثبتوا الجأش.
وحشدوا الفارس والراجل، والرامح والنابل، ونشروا ذوائب الذوابل، وحشروا أبطال ورفعوا صليب الصلبوت، فاجتمع إليه عباد الطاغوت، وضلال الناسوت واللاهوت. ونادوا في نوادي أقاليم الاقانيم، وصلبوا الصليب الأعظم بالتعظيم. وما عصاهم من له عصا، وخرجوا عن العد والإحصاء، وكانوا عدد الحصى. وصاروا في زهاء خمسين ألفا أو يزيدون، ويكيدون ما يكيدون. قد توافوا على
صعيد، ووافوا من قريب وبعيد. وهم هناك مقيمون، لا يرومون حركة ولا يريمون.
والسلطان صلاح الدين في كل صباح يسير إليهم، ويشرف عليهم، ويراميهم وينكى فيهم. ويتعرض لهم ليتعرضوا له، ويردوا عن رقابهم سيوفه وعن شعابهم سيوله. فربضوا وما نبضوا، وقعدوا وما نهضوا. فلو برزوا لبرز إليهم القتل في مضاجعهم، وعاينوا مقام صارعهم في سوقهم إلى مصارعهم. وفرعوا مما فيه وقعوا. وجبنوا عما له تشجعوا.
فرأى السلطان أن يطيب ريه من طبرية، ويشرف على خطتها بالخطية والمشرفية. ويحوز حوزتها ويملك مملكتها. فجر على الادن أردان الردينيات، وأطلع النقع المثار من البحر بحوافر الاعوجيات، واستسهل عليها ولم يستوعلر بيات العربيات. فأمر عساكره، وأمراء جيشه وأكابره، أن يقيموا قبالة الفرنج، ويضيقوا عليهم واسع النهج. فإن خرجوا للمصاف بادروا إلى الانتقام منهم والانتصاف. وأن تحركوا إلى بعض الجوانب؛ وثبوا بهم وثب الأسود بالأرانب، وإن قصدوا طبرية لصونها، وأم يكونوا في عونها، عجلوا الأعلام ليعجل عليهم الإقدام.
ذكر فتح طبرية
ونزل على طبرية في خواصه، وذوي استخلاصه. وأحضر الجاندارية والنقابين والخراسانية والحجارين. وأطاف بسورها، وشرع في هدم معمورها. وصدقها القتال، وما صدف عنها النزال، وكان ذلك يوم الخميس. وأخذ النقابون النقب في برج فهدوه وهدموه، وتسلقوا فيه وتسلموه، ودخل الليل وصباح الفتح مسفر، وليل الويل على العدو معتكر. وامتنعت القلعة بمن فيها - من القومصية - ست طبرية - وبنيها.
ولما سمع القومص بفتح طبرية وأخذ بلده: سقط في يده، وخرج عن جلد
1 / 48