195

فتح القدير

فتح القدير

خپرندوی

دار ابن كثير،دار الكلم الطيب - دمشق

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

١٤١٤ هـ

د خپرونکي ځای

بيروت

عِنْدَ تَحْوِيلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْكَعْبَةِ وَقِيلَ: إِنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سَائِلٌ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ آخِرَ الْبَحْثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَوْلُهُ: قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِيلَ: أَشَارَ سُبْحَانَهُ بِذِكْرِ الْمَشْرِقِ إِلَى قِبْلَةِ النَّصَارَى لِأَنَّهُمْ يَسْتَقْبِلُونَ مَطْلَعَ الشَّمْسِ، وَأَشَارَ بِذِكْرِ الْمَغْرِبِ إِلَى قِبْلَةِ الْيَهُودِ لِأَنَّهُمْ يَسْتَقْبِلُونَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَهُوَ فِي جِهَةِ الْغَرْبِ مِنْهُمْ إِذْ ذَاكَ. وَقَوْلُهُ: وَلكِنَّ الْبِرَّ: هُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرِ، وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: بِرُّ مَنْ آمَنَ. قَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَقُطْرُبٌ، وَالزَّجَّاجُ وَقِيلَ: إِنَّ التَّقْدِيرَ: وَلَكِنْ ذُو الْبِرِّ مَنْ آمَنَ، وَوَجْهُ هَذَا التَّقْدِيرِ: الْفِرَارُ عَنِ الْإِخْبَارِ بِاسْمِ الْعَيْنِ عَنِ اسْمِ الْمَعْنَى، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبِرُّ بِمَعْنَى الْبَارِّ، وَهُوَ يُطْلِقُ الْمَصْدَرَ عَلَى اسْمِ الْفَاعِلِ كَثِيرًا، وَمِنْهُ فِي التَّنْزِيلِ: إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْرًا «١» أَيْ: غَائِرًا، وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدَةَ. وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ هُنَا: الْجِنْسُ، أَوِ الْقُرْآنُ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: عَلى حُبِّهِ رَاجِعٌ إِلَى الْمَالِ وَقِيلَ: رَاجِعٌ إِلَى الْإِيتَاءِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَآتَى الْمالَ وَقِيلَ: إِنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، أَيْ: عَلَى حُبِّ اللَّهِ، وَالْمَعْنَى عَلَى الْأَوَّلِ: أَنَّهُ أَعْطَى الْمَالَ وَهُوَ يُحِبُّهُ وَيَشِحُّ بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ «٢» وَالْمَعْنَى عَلَى الثَّانِي: أَنَّهُ يُحِبُّ إِيتَاءَ الْمَالِ وَتَطِيبُ بِهِ نَفْسُهُ، وَالْمَعْنَى عَلَى الثَّالِثِ: أَنَّهُ أَعْطَى مَنْ تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ فِي حُبِّ اللَّهِ ﷿ لَا لِغَرَضٍ آخَرَ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ «٣» وَمِثْلُهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ: إِنَّ الْكَرِيمَ عَلَى عِلَّاتِهِ هَرِمُ وَقَدَّمَ ذَوِي الْقُرْبَى لِكَوْنِ دَفْعِ الْمَالِ إليهم صدقة وصلة إذا كانوا فقراء، هكذا الْيَتَامَى الْفُقَرَاءُ أَوْلَى بِالصَّدَقَةِ مِنَ الْفُقَرَاءِ الَّذِينَ لَيْسُوا بِيَتَامَى، لِعَدَمِ قُدْرَتِهِمْ عَلَى الْكَسْبِ. وَالْمِسْكِينُ: السَّاكِنُ إِلَى مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ لِكَوْنِهِ لَا يَجِدُ شَيْئًا. وَابْنَ السَّبِيلِ: الْمُسَافِرُ الْمُنْقَطِعُ، وَجُعِلَ ابْنًا لِلسَّبِيلِ لِمُلَازَمَتِهِ لَهُ. وَقَوْلُهُ: وَفِي الرِّقابِ أَيْ: فِي مُعَاوَنَةِ الْأَرِقَّاءِ الَّذِينَ كَاتَبَهُمُ الْمَالِكُونَ لَهُمْ وَقِيلَ: الْمُرَادُ شِرَاءُ الرِّقَابِ وَإِعْتَاقُهَا وَقِيلَ: الْمُرَادُ فَكُّ الْأَسَارَى. وَقَوْلُهُ: وَآتَى الزَّكاةَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِيتَاءَ الْمُتَقَدِّمَ هُوَ صَدَقَةُ الْفَرِيضَةِ. وَقَوْلُهُ: وَالْمُوفُونَ قِيلَ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى «مَنْ آمَنَ»، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَلَكِنَّ الْبِرَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُوفُونَ. قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَالْأَخْفَشُ وَقِيلَ: هُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ وَقِيلَ: هُوَ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: هُمُ الْمُوفُونَ وَقِيلَ: إِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي آمَنَ، وَأَنْكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَقَالَ: لَيْسَ الْمَعْنَى عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: وَالصَّابِرِينَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَدْحِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ، وَمِنْهُ مَا أَنْشَدَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ: لَا يَبْعَدَنَّ قَوْمَيِ الَّذِينَ هُمْ ... سُمُّ الْعُدَاةِ وَآفَةُ الْجُزْرِ النَّازِلِينَ بِكُلِّ مُعْتَرَكٍ ... وَالطَّيِّبُونَ مَعَاقِدَ الْأُزْرِ وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى ذَوِي الْقُرْبَى كَأَنَّهُ قَالَ: وَآتَى الصَّابِرِينَ: وَقَالَ النَّحَّاسُ: إِنَّهُ خطأ. قال الكسائي: وفي قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْمُوفِينَ وَالصَّابِرِينَ. قَالَ النَّحَّاسُ: يَكُونَانِ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ مَنْسُوقَيْنِ عَلَى ذَوِي الْقُرْبَى أَوْ عَلَى الْمَدْحِ. وَقَرَأَ يَعْقُوبُ وَالْأَعْمَشُ: وَالْمُوفُونَ والصّابرون بالرفع فيهما. فِي الْبَأْساءِ الشدة والفقر. وَالضَّرَّاءِ: المرض والزمانة وَحِينَ الْبَأْسِ قيل: المراد:

(١) . الملك: ٣٠. (٢) . آل عمران: ٩٢. (٣) . الإنسان: ٨.

1 / 199