قال القرطبي في المفهم على صحيح مسلم: " باب لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين، بل لا بد من استيقان القلب هذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة، القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كاف في الإيمان. وأحاديث هذا الباب تدل على فساده، بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها؛ ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق، والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح. وهو باطل قطعا" اهـ.
وفي هذا الحديث ما يدل على هذا. وهو قوله: "من شهد" فإن الشهادة لا تصح إلا إذا كانت عن علم ويقين وإخلاص وصدق.
قال النووي: "هذا حديث عظيم جليل الموقع; وهو أجمع - أو من أجمع - الأحاديث المشتملة على العقائد. فإنه صلي الله عليه وسلم جمع فيه ما يخرج من ملل الكفر على اختلاف عقائدهم وتباعدها. فاقتصر صلي الله عليه وسلم في هذه الأحرف على ما يباين جميعهم"اهـ.
ومعنى "لا إله إلا الله" لا معبود بحق إلا الله. وهو في غير موضع من القرآن، ويأتيك في قول البقاعي صريحا. قوله: " وحده " تأكيد للإثبات ﴿لا شَرِيكَ لَهُ﴾ ١ تأكيد للنفي. قاله الحافظ. كما قال تعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ ٢ وقال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ ٣، وقال: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ ٤، فأجابوه ردا عليه بقولهم: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا﴾ ٥، وقال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ ٦.
فتضمن ذلك نفي الإلهية عما سوى الله، وهي العبادة. وإثباتها لله وحده لا شريك له، والقرآن من أوله إلى آخره يبين هذا ويقرره ويرشد إليه.
فالعبادة بجميع أنواعها إنما تصدر عن تأله القلب بالحب والخضوع والتذلل رغبا ورهبا، وهذا كله لا يستحقه إلا الله تعالى، كما تقدم في أدلة هذا الباب وما قبله. فمن صرف من ذلك شيئا لغير الله فقد جعله لله ندا، فلا ينفعه مع ذلك قول ولا عمل.
"ذكر كلام العلماء في معنى "لا إله إلا الله ".
قد تقدم كلام ابن عباس، وقال الوزير أبو المظفر في الإفصاح: قوله: "شهادة أن لا إله
_________
١ سورة الأنعام آية: ١٦٣.
٢ سورة البقرة آية: ١٦٣.
٣ سورة الأنبياء آية: ٢٥.
٤ سورة الأعراف آية: ٦٥.
٥ سورة الأعراف آية: ٧٠.
٦ سورة الحج آية: ٦٢.
1 / 36