وهذا الكتاب على ما فيه من قصص شفاء الأمراض بالمعجزات، ومن الأحلام، وأمثال ذلك مما لا قيمة له عند المؤرخ، يشتمل على أخبار قيمة ينشرح لها الصدر إذا ما استطاع الباحث أن يستخرجها منه بشق النفس. والكتاب مع ذلك فيه شيء من فوضى علمية واستطراد غير منظم يجعله شهي المقرأ، ويخلع لذة على المواضع التي تدعو فيه إلى الملال والسأم. وسنرى فيما بعد بعض ما جاء به عن وصف إقليم الإسكندرية ، ولكن لا بد لنا من أن نذكر هنا صفة تظهر في كل صفحة من صفحاته، ألا وهي حب العلم حبا شديدا؛ فقد كان الصديقان لا يستقر لهما قرار في طلبهما للعلم. ويدل على ذلك تنقلهما في الأقطار، وإن كان بعض رحلاتهما إنما قصدا فيه القيام بخدمات للكنيسة.
12
فبينا كانا في الإسكندرية يحدثان مطران «دارنه» أو هي «دارنيس» على ساحل البحر في ليبيا، إذا هما مع رئيس الدير «تيودور الحكيم» أو مع «زويلوس القارئ». وكان «تيودور» و«زويلوس» كلاهما نادرة في العلم والخلق، وكانا فقيرين فقرا مدقعا؛ فقد ورد عنهما أنهما لم يكن لأحدهما من حطام هذه الدنيا إلا رداؤه وبعض الكتب. وكان «تيودور» عالما بالفلسفة، في حين أن «زويلوس» كان مفسرا للكتب المخطوطة،
13
ويوضحها بالرسم. وقد وجد الصديقان غير ذلك رئيس دير قريب من الإسكندرية، وكان شيخا جليلا قضى في الرهبانية ثمانين عاما،
14
وكان يحب الناس، ولكنه كان فوق ذلك متصفا بخصلة أخرى قلما اتصف بها أحد، وهي حب الحيوان؛ فكان كل يوم يطعم طير الجو، والنمل صغاره وكباره، حتى الكلاب التي كانت تسرح حول الدير. وإذا كنا قد وصفنا «تيودور» و«زويلوس» بأنهما كانا لا يملكان إلا شيئا واحدا احتفظا به وهو الكتب، فقد كان هذا الشيخ الذي يحب الحيوان لا يبقي على شيء؛ فلم يكن عنده درهم ولا رداء، بل لم يكن عنده كتاب؛ إذ كان يعطي الفقراء وأهل الحاجة كل ما يملك.
15
ولكن أرعى موضع للنظر في كتاب «حنا مسكوس» قطعة غير كاملة إذا قرأها الإنسان استزاد منها فلم يجد منها زيادة، وهي تصف صلة الصاحبين بكزماس العالم،
16
ناپیژندل شوی مخ