183

عربو ته مصر د فتح

فتح العرب لمصر

ژانرونه

لقد كثر الجدل في أمر مكتبة الإسكندرية العظمى، وطالما احتدم الخلاف في شأن إحراقها، وهل كان للعرب يد في ذلك عند فتحهم للمدينة، أم أنهم لم يقارفوا شيئا من ذلك. وما دام أهل البحث والعلم لا يزالون على اختلاف في ذلك الأمر ولم يهتدوا إلى كلمة فصل فيه، فلا بد لنا في كتابنا هذا أن نعالجه؛ إذ لا نستطيع أن نغفله في كتاب جعلناه لمعالجة تاريخ فتح العرب لتلك البلاد.

والقصة كما أوردها أبو الفرج

1

كما يلي: قد كان في ذلك الوقت رجل اشتهر بين المسلمين اسمه «حنا الأجرومي»، وكان من أهل الإسكندرية، وظاهر من وصفه أنه كان من قسوس القبط، ولكنه أخرج من عمله إذ نسب إليه زيغ في عقيدته، وكان عزله على يد مجمع من الأساقفة انعقد في حصن بابليون. وقد أدرك ذلك الرجل فتح العرب للإسكندرية واتصل بعمرو، فلقي عنده حظوة لما توسم فيه بصفاء ذهنه وقوة عقله من الذكاء، وعجب مما وجد عنده من غزارة العلم. فلما أنس الرجل من عمرو ذلك الإقبال قال له يوما: «لقد رأيت المدينة كلها وختمت على ما فيها من التحف، ولست أطلب إليك شيئا مما تنتفع به، بل شيئا لا نفع له عندك وهو عندنا نافع.»

فقال له عمرو: «وماذا تعني بقولك؟» فقال: «أعني بقولي ما في خزائن الروم من كتب الحكمة.» فقال له عمرو: «إن ذلك أمر ليس لي أن أقتطع فيه رأيا دون إذن الخليفة.» ثم أرسل كتابا إلى عمر يسأله في الأمر، فأجابه عمر قائلا: «وأما ما ذكرت من أمر الكتب فإذا كان ما جاء بها يوافق ما جاء في كتاب الله فلا حاجة لنا به، وإذا خالفه فلا أرب لنا فيه وأحرقها.» فلما جاء هذا الكتاب إلى عمرو أمر بالكتب فوزعت على حمامات للإسكندرية لتوقد بها، فما زالوا يوقدون بها ستة أشهر. ثم قال المؤلف: «فاسمع وتعجب!»

هذه هي القصة كما جاءت في اللغة العربية، وقد كتب أبو الفرج ما كتبه في النصف الثاني من القرن الثالث عشر ولم يذكر المورد الذي نقل عنه قصته، ثم نقله عنه أبو الفداء في أوائل القرن الرابع عشر، ثم المقريزي

2

بعد ذلك. حقا قد ذكر عبد اللطيف (وقد كتب حوالي سنة 1200) إحراق مكتبة الإسكندرية بأمر عمرو، لكنه لم يفصل في ذكر ذلك، ويلوح أنه روى ذلك الخبر مصدقا، وهذا يدل على أن تلك القصة كانت متداولة في أيامه، ولكن لم يرد لها ذكر مكتوب قبل مضي خمسة قرون ونصف قرن على فتح الإسكندرية، ويمنع من تصديقها إغفال كل الكتاب لذكرها من «حنا النقيوسي» إلى «أبي صالح». ولعل قائلا يقول إنها ظلت تلك القرون تتناقلها الألسن. وإن هذا الرأي يعززه أن القبط لا تزال بينهم تلك القصة يتناقلونها مع بعض خلاف فيها؛ إذ يجعلون مدة الإيقاد بالكتب سبعين يوما بدلا من ستة شهور، ولكن ليس من دليل يدل على أن أصل هذه الرواية أقدم من أيام أبي الفرج. ومعنى ذلك بقول آخر أن هذه القصة وإن كانت متداولة بين الناس تكون أخذت عن كتاب القرون الوسطى؛ فتداولها لا يمكن أن يكون دليلا على شيء، كما أنه لا يمكن أن ينقض شيئا، ولكن الشك الذي يحيط بتلك القصة يجعلها غير وثيقة في الدلالة، ولا كافية بذاتها في البرهان.

إذن علينا أن نفحص القصة كما وردت؛ فهي بلا شك قصة خلابة المظهر، وإن رد عمر على كتاب ابن العاص أشبه القول بما اعتاده أهل الشرق في ردودهم، وهذا التشابه في الأسلوب هو أقوى ما تعزز به القصة، ولكن من سوء الحظ أنه قد ورد عن عمر مثل هذا الرد في شأن إحراق كتب الفرس،

3

ناپیژندل شوی مخ