180

عربو ته مصر د فتح

فتح العرب لمصر

ژانرونه

وقد أجمع الكل على أنها كانت تظهر السفن وهي أبعد من مدى البصر، فكان الإنسان إذا جلس تحتها رأى كل شيء من مكانه إلى القسطنطينية.

وأما الغرض الذي من أجله أقيمت المرآة فمختلف فيه؛ فهل لم تكن تتخذ إلا لتنعكس عليها أشعة الشمس في النهار وضوء النار في الليل لهداية السفن؟ وهل كانت مرآة مما اعتاد الناس اتخاذها، أم كان لها سطح يختلف عن ذلك له قدرة على كسر الضوء؛ فلذلك كانت حقيقة تتخذ لإحراق السفن إذا ما سطعت عليها أشعة الشمس القوية في مصر؟ والجواب على هذا موكول إلى العلماء، ولكن من أعجب الأمور أن يذكر مؤرخو العرب في القرن العاشر للميلاد من وصف هذه المرآة ما يمكن أن نعده تنبؤا باستعمال المنظار المقرب (التلسكوب). وإنه من العجيب كذلك أن يجمع كل هؤلاء الكتاب على أنها كانت من مادة شفافة، فيقول بعضهم من الزجاج المدبر، ويقول البعض من حجر شفاف؛ فإن هذا القول وصف لعدسة ضوئية وليس لمرآة. أليس إذن من الممكن أن تكون مدرسة الإسكندرية العظمى التي فاقت في علوم الرياضة والحيل قد كشفت سر العدسة الضوئية وصنعتها، ثم نسي أمر هذا السر بعد تخريب المنارة؟

وإنه من الثابت أن المنارة كانت تتخذ علما للإشارة، كما كانت تستخدم لهداية السفن، ولكن ليس من الواضح عندنا أكانت النار توقد بها في الليل والنهار؛ فإن الإدريسي إنما يذكر النار بالليل «وسحابة من الدخان في النهار»، ولكن جاء في وصف آخر للمنارة أن الديادبة كانوا يقيمون بها على استعداد لإبقاء النيران بالليل.

65

ولكن من سوء الحظ أنا لا نجد دليلا على ما جرت به العادة في أول الأمر؛ لأن المنارة لحقها كثير من الهدم والتخريب في مدة القرن الأول بعد الفتح العربي. ولذلك التهديم قصة؛ وذلك أنه في خلافة الوليد بن عبد الملك في القرن الثامن للميلاد، رأى الروم فعل المنارة، وضايقهم من أمرها أنها كانت مرقبا يساعد المسلمين على رد غارات البحر ويحميهم من المباغتة، فعولوا على الاحتيال في تخريبها. فذهب رجل من خواص

66

ملك الروم إلى الخليفة يحمل الهدايا النفيسة، وتظاهر بأن الملك قد وجد عليه موجدة عظيمة وسعى في قتله، وأنه جاء راغبا في الإسلام، فصدقه الخليفة، ورحب بإسلامه وقربه، وتنصح الرجل إلى الخليفة في دفائن استخرجت من بلاد الشام، فشرهت نفسه إلى الأموال، فمال إلى تصديق ما وصفه ذلك الرومي الداهية من كنوز عظيمة من الذهب والجوهر كانت من قبل لملوك مصر القديمة، وقال إنها مدفونة في آزاج ومخادع تحت المنارة. فأرسل الخليفة جماعة من جنده ليستخرجوا ذلك، فهدموا نصف المنارة وأزالوا المرآة، وتم ذلك قبل أن يفطن أحد إلى المكيدة. فضج الناس وعزموا على منع ذلك الهدم، وبعثوا إلى الخليفة بخبرها، فنذر الخائن بالأمر فهرب في الليل إلى بلاده، وكانت حيلته قد تمت، وهدم من المنارة نصفها أو على الأقل ثلثها، وبلغ الخائن ما أراد؛ إذ هدم المرآة السحرية. وعرف العرب أنهم خدعوا بعد أن انقضى الأمر، و«بنوا مرآة من الآجر، ولكنهم لم يستطيعوا أن يعيدوها إلى علوها السابق، فلما وضعوا المرآة عليها لم تفد شيئا».

67

وليس ثمة سبب يدعو إلى الشك في جوهر هذه القصة، وليس من العجب أن يتعذر إصلاح ما تلف من المنارة؛ فلا شك أنها كانت من آيات البناء؛ إذ بقيت قائمة مدة قرون وهي شاهقة العلو ناهدة في أطباق الفضاء، وما كان البناءون في مدة حكم العرب ليبلغوا ما بلغه سلفهم في عهد البطالسة. ولم يرد في كتاب المسعودي ذكر لسعي العرب في إعادة بنائها، بل يفهم من قوله أنهم لم يفعلوا شيئا في سبيل ذلك، ولكن لعله مخطئ. ولا نعرف بعد ذلك إلا قليلا من أخبار المنارة؛ فقد ورد أن أحمد بن طولون

68

ناپیژندل شوی مخ