ولم تكن كنيسة القديس مرقص في القرن السابع أكبر كنائس المدينة وأعظمها شأنا، بل كان أعظم منها كنيسة القيصريون، وكانت في الحي نفسه عند ثنية المرفأ الأعظم، وقد بلغت من عظم الشأن أن كادت تحل محل الكنيسة الكبرى؛ فقد كان بناؤها جليلا، ولها مسلتان قديمتان في فنائها، فكانت تشرف فوق أسوار المدينة أظهر الأشياء التي يراها الرائي أول وهلة في صدر ما يراه
14
إذا أتى من الميناء داخلا مما يلي المنارة، فكانت في هذه الجهة لها مظهر يعدل مظهر «الأكروبولس» والسرابيوم وعمود «دقلديانوس» في نهاية المدينة من الجانب الآخر. وكانت كنيسة القيصريون في مبدأ أمرها معبدا للأوثان، بدأت كليوبترا في بنائه إعظاما لقيصر، ثم أتمه أغسطس. وإنه لجدير بنا أن نرى ما جاء من صفته في كتاب «فيلو» إذ قال:
15 «وكان هذا المعبد معبد قيصر، الذي يعرف في الإسكندرية باسم سبستيان (أغسطس)، أثرا لا مثيل له، وكان على ميناء فسيحة، عظيم البناء، عجيب الصناعة، عالي السمك، يعده الناس علما من أعلام البحر، وقد زانته أبدع الصور والتماثيل، تقدم إليها جليل الهدايا والقرابين، وكانت تجمله كله حلية من الذهب والفضة، فكان نموذجا في جمال تنسيقه وإبداع أجزائه التي كان يشملها من متاحف ومكتبات وقباب وساحات وأبهاء ومماش وخمائل من أشجار ظاهرة، قد وضع كل شيء في موضعه اللائق به، وأبدعت فيه يد الصناعة فأبرزته في حلة أنيقة من الرونق، بذل في سبيلها المال لم يدخر باذله ثمينا ولا غاليا، وكان فوق ذلك جلاء عين أهل الأسفار في البحر إذا وقعت عليه في روحاتهم وغدواتهم.»
وقال فيه حنا النقيوسي: «إنه القصر الجليل.» وقد غيره قسطنطين الأكبر فجعله كنيسة مسيحية، وأهداه إلى اسم القديس ميخائيل،
16
ولكنه كان عند الفتح العربي لا يزال محتفظا باسمه الأول «القيصريون»، ولم يصر كنيسة بطريقية عظمى إلا حوالي سنة 350 للميلاد، ولكن في سنة 366 في أيام أنستاسيوس جاء جمع عظيم من قوم هائجين ثائرين من الوثنيين وأتباع المذهب الآري المسيحي، ودخلوا فناءها ثم اقتحموها، وأحرقوا المذبح والعرش وما كان فيها من النمارق والستر، وسوى مما وصلت إليه أيديهم. ولئن كان قد بقي شيء من المكتبات التي ذكرها فيلو فإنها لا بد قد أحرقت عند ذلك، ثم أعيد بناء الكنيسة وأصلحت في عام 368. وإن الذين يقرءون قصة «هيباشيا» يعلمون أنها وقعت في كنيسة القيصريون فيما بعد هذا العصر بنحو خمسين عاما؛ فإن غوغاء المسيحيين وعامتهم ممن أعماهم التعصب للدين
17
أتوا بتلك الفتاة الحكيمة فمزقوا جسمها تمزيقا، فكان وثوبهم هذا وما فيه من خروج وعنف جديرا بالمعبد القديم معبد زحل (ساتورن). وقد جاء في الأخبار أن تيموثي إيلوروس فر إلى بئر المعمودية في هذه الكنيسة لاجئا إليها بعد نحو خمسين سنة من ذلك العهد، فدخل إليه الناس وأخرجوه منها ثم نفوه. فلما عاد «تيموثي» إلى الإسكندرية بعد أن أقام في منفاه عشرين عاما «لقيه الناس في موكب حافل، توقد فيه المشاعل، وتنشد فيه آيات المديح يرتلها قوم مختلفو الأجناس واللغات»، فسار في موكبه هذا يحدوه النصر إلى أن بلغ تلك الكنيسة عينها كنيسة القيصريون.
18
ناپیژندل شوی مخ