142

عربو ته مصر د فتح

فتح العرب لمصر

ژانرونه

بل بين طائفتين من جيش الدولة. وكان «تيودور» ذا شأن عظيم في عين الثائرين، وكان لا بد لهم أن يستوثقوا من أنه معهم، وأنه لن يعين الإمبراطورة، ولم يكن ثمة شيء يستحيل في مثل تلك الحال المضطربة وما فيها من مكائد ومكر. وكان «تيودور» يخفي في نفسه آمالا يتمنى أن يحققها، فجاءته في «رودس» رسالة في السر بعث بها إليه «فلنتين» يحضه على أن يخذل الإمبراطورة وينقض ما عقد لها من ولائه، وعلم أن «فلنتين» قد بعث بمثلها إلى «بنطابوليس» وإلى سائر بلاد الدولة، ورأى أن يد الكيد تعمل في التفريق بين الجنود الذين جاءوا إلى مصر مع «قيرس»، فأعمل الفكر في أمره حتى استقر به على أن يقطع اتصاله بالإمبراطورة ويرحل خفية إلى «بنطابوليس». ولسنا ندري ما الذي دفعه إلى هذا العزم؛ فقد يكون أراد الاعتزال والابتعاد عن العواصف المقبلة، وقد يكون أراد التشبه بهرقل في المخاطرة بنفسه في سبيل التاج، فيقيم دولة جديدة في قرطاجنة، وقد يكون اعتزم أن يستجم القوة ويجمع المال، ويقف بالمرصاد لما تنجلي عنه الحوادث؛ فمنذ كره أن يذعن للمسلمين أراد أن يستعد بجيش يهبط به عليهم من قرطاجنة. وكان تدبيره أن ينفصل في ظلام الليل عن الأسطول الذي مع «قيرس»، ولم يعلم بذلك إلا ربان السفينة التي كان فيها. والظاهر أن ذلك الربان وعده بإنفاذ ما أراد ثم ندم على وعده، وادعى أن الريح تصد السفينة عن المضي في تجاه بنطابوليس؛ ففشل تدبير «تيودور»، ورأى نفسه مع سائر السفن مصاحبا ل «قيرس»

14

في ميناء الإسكندرية قبل أن يطلع نهار «يوم الصليب المقدس»، وذلك في الرابع عشر من سبتمبر من سنة 641.

الفصل الحادي والعشرون

تسليم الإسكندرية

حدث في أثناء غياب قيرس في منفاه أن ثارت بمصر فتنة بين الناس، يتقد لهيبها بين حين وحين، فثار القتال مرة بين أهل كورة مصر وأهل الكور في الشمال، ثم عاد السلام بينهم بعد أحداث كثيرة. وما كاد الأمر يستقر حتى استعر القتال في العاصمة ذاتها، وكان كبار الروم أحزابا وشيعا، تباعد بينهم الإحن ويغري بينهم التحاسد، وكان حرص كل من الحزبين الأخضر والأزرق على القتال فيما بينهم أعظم من حرصهم على حرب العدو الرابض عند أبواب مدينتهم؛ فكان «دومنتيانوس» الذي أسلم الفيوم و«نقيوس» يناصب «ميناس» العداء، وينافسه في التطلع إلى القيادة العامة في الجيش، وكان «ميناس» يحقد على «أودوقيانوس» أخي «دومنتيانوس» لما كان منه من شنيع الأفاعيل بالقبط الذين كانوا في حصن بابليون

1

في يوم عيد الفصح المشهور. وكان «تيودور» لا يزال غاضبا على «دومنتيانوس» لما كان من جبانته في الهروب من «نقيوس» تاركا جيشه ومتخليا عن واجبه. وإنه لمن العجيب أن يبقى «دومنتيانوس» في منصبه لم يؤاخذ أو يقتص منه بالقتل، فليس غضب رئيسه عليه بالجزاء الوفاق على ما جناه، ولعله لم ينج مما كان يحق عليه من القصاص إلا لمحاباة الإمبراطورة له، ولقرابته من قيرس؛ إذ كان صهرا له بزواجه من أخته. على أن «دومنتيانوس» لم يرع في «قيرس» إلا ولا صداقة، ولم يحفظ له جميلا؛ إذ كان لا يظهر له إلا ازدراء وحقدا غلب عليه عقله، وكان معه الحزب الأزرق، فاتخذ من رجاله عصبة استعان بها في نضاله. فلما رأى «ميناس» ذلك استعد له بمثل عدته، فاتخذ من الحزب الأخضر له عصبة.

وفيما كان الأمر على هذا التحرج المخطر، نزل إلى الإسكندرية رجل اسمه «فيليادس»، وكان حاكم الفيوم وأخا ل «جورج»، وهو سلف «قيرس» على بطرقة المذهب الملكاني. وكان «ميناس» قد أحسن إلى «فيليادس»، ولكنه أساء جزاءه. وكان «فيليادس» فوق هذا مقارفا للخيانة؛ إذ كان يضع يده في الأموال العامة، وكان الجند يكرهونه كراهة تعدل حبهم ل «ميناس ». ولم يمض زمن طويل حتى اشتد الأمر وتأزمت الأزمة؛ ففيما كان «ميناس» يوما يصلي بإخوانه الأقباط في الكنيسة الكبرى كنيسة «قيصريون»، إذ ثار أهل المدينة بفيليادس يريدون قتله، ولكنه فر منهم ولجأ إلى منزل صديق له فاختبأ فيه، فذهب الثائرون إلى بيته فنهبوه وأحرقوه، وكانوا من الحزب الأخضر، وعند ذلك أخرج «دومنتيانوس» إليهم عصبته من الحزب الأزرق، والتقت العصبتان في قتال شديد في طرق المدينة، فقتل منهم ستة وجرح كثيرون، ولم يستطع «تيودور» أن يقضي على الفتنة إلا بعد مشقة وعناء. وبعد أن انتهى الأمر أعيد إلى «فيليادس» ما سلب منه، وعزل «دومنتيانوس» من مرتبته في الجيش، ولكن يلوح لنا أنه أعيد فيما بعد إلى ما كان عليه، وذلك بعد أن أمر «تيودور» بالعودة إلى القسطنطينية؛ فالحقيقة أن «دومنتيانوس» كان مع عداوته لقيرس يرى رأيه في السياسة، وكانا كلاهما سواء في تقريب الإمبراطورة والحظوة عندها، وكان كلاهما يشير عليها ويزين لها رأي الإذعان للعرب.

ولنذكر هنا أن «حنا النقيوسي» يصف نضال الأحزاب في الإسكندرية وكأنما يقر بأنه عاجز عن إدراك أسبابه؛ فإن سياق قوله يدل على أن منشأ ذلك النضال كان بعضه من عداوات خاصة، وبعضه كان من أثر الشيع السياسية. على أنه يذكر بعد ذلك أن بعض الناس يذهبون إلى أن اشتداد ذلك النضال واستعار لهبه إنما يرجع إلى اختلاف المذاهب الدينية، ولكنه لا يوضح الأمر ولا يجلو الظلمة عن حقيقة ذلك النضال، فلا ندري أكان بين «المونوفيسيين» و«الملكانيين»، أم كان بين «الملكانيين» و«المونوثيليين»، أم بين اليهود والمسيحيين؛ فالحق أن الأمر مشكل لا يستبين المرء فيه وجها للرأي، ولكنا إذا ذكرنا أن كثيرين من أهل مصر السفلى والصعيد أتوا إلى الإسكندرية لائذين، وإذا ذكرنا أن «حنا النقيوسي» يروي لنا خبر اجتماع القبط بكنيسة «القيصريون» للصلاة،

ناپیژندل شوی مخ