141

عربو ته مصر د فتح

فتح العرب لمصر

ژانرونه

11

في الحكم.

ويلوح لنا أن هرقلوناس كان قبل تلك الثورة التي ثارها «فلنتين» قد أعد العدة لإرجاع «قيرس» إلى حكم الإسكندرية، ولا بد أن المبايعة لقنسطانز كانت في أوائل سبتمبر من سنة 641،

12

وذلك بعد أن سافر قيرس في وجهه إلى مصر. وكانت مع قيرس طائفة كبيرة من القسوس ، ولم ينقص شيئا من سلطانه الدنيوي، بل أباح له الإمبراطور أن يصالح العرب، وأن يقضي على كل قتال بعد ذلك في البلاد، وأن يعمل على إقرار الأمر فيها وإدارة شئونها. وإنا لنلمح من ثنايا ما تقدم به الإمبراطور إليه أنه كان لا يزال يساوره الأمل في أنه يستطيع الإبقاء على سلطان الدولة في مصر، ولكنه من غير شك قد حمل الإمبراطور وهو غرير لا رأي له على الإذعان للعرب والتسليم لهم، كما حمل على رأيه هذا مجلس الشيوخ المستضعف ورجال البلاط، وهم من أهل العجز والخور. ولا ندري أكان في ذلك يصدر عن نية طاهرة أم كان يرمي عن مكر وخديعة. ومن الجلي فوق ذلك أنه استمال الإمبراطورة مرتينه إلى رأيه الضعيف، لا سيما وقد كان أنصارها ممن يرون مصالحة العرب مهما كلفهم الأمر، وكانت هي أبدا في سياستها ترمي إلى التسليم والإذعان، وذلك رأي قيرس الذي ظل يجاهر به في كل حين.

أما ما كان يجول في قرارة نفس ذلك البطريق من مختلف النزعات، فأمر لا يصل إليه الحدس ولا يبلغه التصور؛ فقد أظهر الجبن والضعف إذا لم يكن قد أظهر الخيانة منذ أشهر عدة، قبل أن ينقسم الناس ويتفرقوا شيعا في أمر ولاية الملك بعد قسطنطين؛ ذلك التفرق الذي كاد يبلغ حد الحرب الأهلية. فماذا كان الدافع له على الفرار من ميدان أعماله، وإن شئت قلت الهروب من جرائر سعيه؛ فقد قضى عشر سنين وهو يعسف بقبط مصر حتى بدا منهم ما يشبه الإذعان، ولكنه كان يعرف أنهم لن يلبثوا أن يعودوا إلى عقيدتهم إذا ما رفع عنهم وطأته. فهل كان قد أدرك عند ذلك أن سياسته في العسف والاضطهاد كانت جناية لم تلق نجاحا؟ إنه لا شيء أبعد عن الحقيقة من تصور هذا. وإنه لأقرب إلى الحقيقة أن نقول إنه قد أيس من أمر الدولة في مصر منذ رأى ما حل ببلاد الشام، ومنذ بلغ به اليأس ذلك المبلغ عزم على أن يسعى لكي يباح مذهبه الديني في مصر. لا، بل سعى إلى أكثر من ذلك؛ فقد طمع في أن يثيبه المسلمون على مساعدته لهم بأن يبسطوا يده على الكنيسة القبطية في مصر، ويكون عند ذلك مالكا للأمر ليس لأحد في القسطنطينية سلطان عليه.

إذن كان «قيرس» يريد أن يزيد في سلطانه الديني بالإسكندرية، ويقيمه على أطلال الدولة بعد خرابها. ولسنا نجد رأيا آخر أكثر ملاءمة لما بدا منه؛ فهو خير رأي نستطيع به أن ندرك ما كان بينه وبين عمرو من صلات خفية، وما قارفه من خيانة دولته الرومانية. فلنصفه بأنه خائن للدولة في سبيل ما توهمه صلاحا للكنيسة.

وقد قنع بأن يتبع خطوات الإمبراطورة أو أن يشير عليها برأيه، وخالف أمر دينه وهو يحظر أن يلي الملك من ولدوا من زواج غير مباح. والدليل واضح على أن قيرس عاد إلى مصر ومعه جيش قد أعد ليكون إمدادا لجند مصر يساعدهم على قتال العرب إذا لم يسفر الأمر عن صلح معهم. ولعل ذلك الجيش قد أرسل معه ليكون قوة لحزب الإمبراطورة بين جند مصر. وأرسل معه قائد جديد لمسلحة الشرطة اسمه قسطنطين ليحل محل القائد المعزول «حنا». وأما «تيودور» فإنه بين أحد أمرين: إما أن يكون قد حل في الوقت عينه إلى مصر، وإما أن يكون قد ذهب إلى جزيرة «رودس» عند مقدم «قيرس»، وأقام بها حتى يوافيه الجيش فيلحق به. وكانت الإمبراطورة «مرتينه» بتلك الجزيرة كذلك، ولا ندري علة مقامها فيها؛ أكان ذلك هربا من وثبة «فلنتين» وظهور أمر ثورته، أم كان عن ذعر أصابها عندما علمت بمبايعة «قنسطانز»؟ ولعلها أرادت أن تجتمع ب «قيرس» و«تيودور» كي يشيرا عليها بما يريانه فيما جد من الحوادث. وعلى أي حال فقد كانت قمينة أن يقلق بالها لما كان حولها من اختلال الأمور في العاصمة، واختلاف الكلمة واضطراب الأحوال بين رجال الحاشية.

وقد كان فلنتين في كيده وغدره عدلا ل «قيرس»، لا يتورع في وسيلة ولا يقف عند حد. وكان قد سبر قلوب الجند وفحص عما للإمبراطورة فيها، فألفى أن الكثيرين لا يحملون لها إلا نفاقا ورياء، وأن حبها والإخلاص لها لم يتغلغل في نفوسهم، ووضع يده في خزائن «فلاجريوس» فأنفقها في العطاء لجند مصر ليستميله إليه، وأوقع بينهم الفرقة والعداوة، فجعلوا بأسهم بينهم وكفوا عن قتال المسلمين. فكانت الحرب الأهلية على ذلك قد اشتعل لهيبها، ولم تكن بحرب بين القبط والروم،

13

ناپیژندل شوی مخ