133

عربو ته مصر د فتح

فتح العرب لمصر

ژانرونه

14

وأبلوا بلاء حسنا، غير أنهم انهزموا، واستطاع عمرو أن يستأنف السير إلى مدينة نقيوس.

وقد مر بنا أن مدينة نقيوس على الشاطئ الشرقي للنهر على مقربة من الموضع الذي تتصل فيه بالنيل الترعة التي بين أثريب ومنوف، وكان عمرو لا يستطيع أن يتركها على جانبه ويسير عنها؛ إذ هي حصن منيع، فعبر النهر إليها، حتى إذا ما فتحها عاد إلى الغرب وواصل السير. وكانت تلك فرصة دون القائد الروماني «تيودور» إذا أراد المناجزة، ولكنه لم يغتنمها، فلم يخرج للعرب بنفسه في عامة جيشه، بل أرسل القائد الجبان الضعيف «دومنتيانوس» ليذود عن نقيوس، وبعث معه كتيبة ضعيفة. وكان عند «دومنتيانوس» كثير من السفن قد أعدها لكي يدافع بها عن المدينة، أو لكي يهبط بها على جيش عمرو في أثناء عبوره للنهر، وكان عمرو لا بد له من عبور النيل إذا فتح المدينة، وإذا هو فشل ولم يفتحها كان أغلب الظن أنه يحاول العبور. غير أن قائد الروم عندما رأى المسلمين على كثب منه خانه جنانه، وترك جيشه وسفنه، ولاذ في سفينة هاربا نحو الإسكندرية. فلما رأى الجنود أن قائدهم يفر عنهم ذلك الفرار وضعوا سلاحهم، وهبطوا إلى الترعة سراعا

15

وقد أذهلهم الخوف، يريدون أن يقتحموها أو يبلغوا السفن فيها، ولكن عدوى خوفهم أعدت نوتية السفن فلم يأبهوا لشيء إلا لسلامتهم، فحملوا سفنهم مسرعين، وهبطوا بها إلى الشمال يطلبون النجاة، فعمد كل منهم إلى قريته، وعند ذلك طلع العرب على جنود الروم وهم في الماء بغير سلاح فقتلوهم عن آخرهم، فلم ينج منهم إلا رجل اسمه «زكريا» بدت منه شجاعة عظيمة عند ذلك، ولعل نجاته كانت لما بدا منه من الشجاعة، ثم دخل العرب المدينة من غير مقاومة؛ إذ لم يكن فيها جندي واحد يقف في سبيلهم، ومع ذلك فقد أوقعوا بأهلها وقعة عظيمة. قال حنا النقيوسي: «فقتلوا كل من وجدوه في الطريق من أهلها، ولم ينج من دخل في الكنائس لائذا، ولم يدعوا رجلا ولا امرأة ولا طفلا،

16

ثم انتشروا فيما حول نقيوس من البلاد، فنهبوا فيها وقتلوا كل من وجدوه بها. فلما دخلوا مدينة «صوونا» وجدوا بها «اسكوتاوس» وعيلته، وكان يمت بالقرابة إلى القائد «تيودور»، وكان مختبئا في حائط كرم مع أهله، فوضعوا فيهم السيف فلم يبقوا على أحد منهم، ولكن يجدر بنا أن نسدل الستار على ما كان؛ فإنه لا يتيسر لنا أن نسرد كل ما كان من المسلمين من المظالم بعد أن أخذوا جزيرة نقيوس في يوم الأحد، وهو الثامن عشر من شهر «جنبوت» في السنة الخامسة عشرة من سني الدورة.»

17

ويقع ذلك التاريخ في اليوم الثالث عشر من شهر مايو سنة 641.

وقد أثبتنا هنا نص قول الأسقف القبطي؛ لأنه يدل على ما كان عليه القبط من قلة حب للعرب الفاتحين، ولكي نظهر أنهم ما كان لهم أن يحبوهم وقد كان منهم ما كان. وقد كان نقيوس معقلا من معاقل الدين القبطي، ولا شك أن الناس كانوا مع ما نزل بهم من الاضطهاد لا يزالون على عقيدتهم يضمرونها في قلوبهم، ولو أظهروا الخروج منها تقية لما نالهم من عسف قيرس. وكان العرب في وقعتهم لم يفرقوا بين قبطي ورومي، وليس فيما وصلنا من أخبار ذلك لفظ واحد يدل على أن القبط كان لهم شأن آخر في معاملة العرب، وكذلك ليس من شك في أن الشقاق والاضطراب قد دهما البلاد واجتاحاها كما يجتاح الطاعون الأرض، فلم يمض طويل زمن حتى عمت الفوضى واندفع لهيب الحرب الأهلية بين أهل مصر، فكان ذلك ضغثا على إبالة، فانقسمت مصر السفلى إلى حزبين؛ حزب مع الروم، وحزب يريد أن يتفق مع العرب. ولسنا ندري إذا كان الفارق بين ذينك الحزبين فارقا من جنس أو من مذهب أو من تشيع سياسي، على أننا نرجح الرأي الأخير. وقد أصبح من الأمور المعتادة في ذلك النضال بين الحزبين أن يتقاتل الناس وينهب بعضهم بعضا أو يحرقوا البلاد، في حين كان العرب ينظرون إلى كلا الحزبين نظرة الازدراء، ولا يأمنون لأيهما، ولا يتعاهدون مع أحد منهما.

ناپیژندل شوی مخ